مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[الحسد]

صفحة 60 - الجزء 1

  قد سوَّى الله خلقه، وحسَّن صورته، على ما في أرضه سواه، فهو لحقارة ما خُلق منه يعجب له ملائكة الله وكل من رآه، فأمر الله الملائكة بالسجود له عند كمال عقله، وإنما سجودهم له سجود منهم لله ربه، فتكبر إبليس اللعين وعتا حسدا منه لآدم، وبغيا له لم يسجد، وعصى الله سبحانه، فشقي ولم يرشد، وقال: {أَأَسجُدُ لِمَن خَلَقتَ طينًا}⁣[الإسراء: ٦١]، ثم قال: {أَنا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَني مِن نارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طينٍ}⁣[ص: ٧٦]. وصار بالمعصية لله لحسد آدم من الهالكين، المعذبين عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، حين خالف أمر الله وكان من العاصين.

  فكل من كان حسودا فهو سالك سبيل إبليس في الحسد، وهو عند الله هالك إذا حسد المؤمنين.

  وانتهوا - أرشدكم الله - عن الحسد ثم انتهوا، وتنبهوا مطَّرحه بينكم ثم تنبهوا، فإن النفاسة [والحسد] لا يصلحان ولا يجوزان إلا في التنافس للرغبة في الطاعة، والأعمال الصالحة، فالتنافس على ثواب الله للمتقين في نعيم الجنة، قال الله تبارك وتعالى وهو يذكر نعيم الأبرار في الجنة، وما يكرم به من ثوابه الأبرار: {إِنَّ الأَبرارَ لَفي نَعيمٍ ٢٢ عَلَى الأَرائِكِ يَنظُرونَ ٢٣ تَعرِفُ في وُجوهِهِم نَضرَةَ النَّعيمِ ٢٤ يُسقَونَ مِن رَحيقٍ مَختومٍ ٢٥ خِتامُهُ مِسكٌ وَفي ذلِكَ فَليَتَنافَسِ المُتَنافِسونَ ٢٦}⁣[المطففين: ٢٢ - ٢٦]. يعني سبحانه: في الأعمال الصالحة التي توصل إلى مثل هذا النعيم، {فَليَتَنافَسِ المُتَنافِسونَ}، والتنافس هاهنا التسابق والتحاسد على الأعمال الصالحة التي ينال بها مثل هذا الثواب الأبرار المتقون، لأن هذا تحاسد وتنافس على طاعة الله، ليس فيه تباغض بين المؤمنين ولا تحاقد، ولا تغادرٌ بحسد كحسد أهل الدنيا،