مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب الامتحان بالاختلاف والتحير

صفحة 145 - الجزء 1

  يوجب الحكم عن جميع عبيده، والصبر منهم على ذلك، وبذل النفوس فيما يرضاه سيدهم بنية صادقاة، حتى يأتيهم اليقين.

  فهم عند ذلك أمناء الله الذين استودعهم علمه واختصهم بهداية خلقه، فهم يتناصحون به بينهم بحسن العشرة، والدعاء إلى سبيل الله بالموعظة الحسنة، والحجة البالغة، وهم أهل المعرفة الذين وصفهم في كتابه فقال جل ثناؤه: {وَلا يَزالونَ مُختَلِفينَ ١١٨ إِلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُم}⁣[هود: ١١٨ - ١١٩]، وقال الحسن: «إلا أهل الجنة فإنهم لا يختلفون ولذلك خلقهم». فهؤلاء لا صفوة الله من خلقه، وأهل الرسوخ في علمه، فإذا كانوا كذلك جعلهم أئمة يقتدى بهم، فَسَاسَهُم بصنعه ولطفه، فبذلك فليقتد أهل العلم بالله، والله الموفق. فهذه الأربع الخصال التي قد امتحن الله بها أهل المعرفة قد فسرناها، والحجة في ذلك مِن مَنِّ الله وفضله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون.

  فمن ذلك ما جاء عن الله في كتابه، وعن الرسول # في أخباره، وما مدح به الصابرين من أوليائه، مع ما ذكر لهم من جزيل الثواب، قال الله جل ثناؤه: {وَالصّابِرينَ فِي البَأساءِ وَالضَّرّاءِ وَحينَ البَأسِ أُولئِكَ الَّذينَ صَدَقوا وَأُولئِكَ هُمُ المُتَّقونَ}⁣[البقرة: ١٧٧]، مدحهم بذلك، وقال في ذكر أيوب # وما مدحه به من الصبر، فقال: {إِنّا وَجَدناهُ صابِرًا نِعمَ العَبدُ إِنَّهُ أَوّابٌ}⁣[ص: ٤٤]، وقال: {وَبَشِّرِ الصّابِرينَ ١٥٥ الَّذينَ