مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[مذهب القاسم في الهجرة]

صفحة 17 - الجزء 1

  جَهَنَّمُ وَساءَت مَصيرًا}⁣[النساء: ٩٧]. يقول تبارك وتعالى: {إِلَّا المُستَضعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالوِلدانِ لا يَستَطيعونَ حيلَةً وَلا يَهتَدونَ سَبيلًا}⁣[النساء: ٩٨]. يعني: فإن لم يمكنه النقلة من ضعفة الرجال والنساء والولدان لفقرهم وضعفهم، ثم قال: {فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعفُوَ عَنهُم وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفورًا}⁣[النساء: ٩٩].

  ثم قال سبحانه مؤكدا على من أمكنه النقلة والهجرة، والانتقال عن أهل المعصية، مرغبا لهم في المهاجرة عن مجاورة الفساق الأثمة: {وَمَن يُهاجِر في سَبيلِ اللَّهِ يَجِد فِي الأَرضِ مُراغَمًا كَثيرًا وَسَعَةً}⁣[النساء: ١٠٠]، يعني بالمراغم: السعة في الأرض، وإمكان المحال التي تبعد عنهم، وإمكان المراغمة وهي الاعتزال لجوار الأثمة والمغايظة، ففي ذلك الرضى لله سبحانه وإن كرهه الفجرة وأرغمهم وغمهم، فهذا أصل كان عنده أيضا من الأصول، كان يراه فرضا لازما على كل مؤمن يضعف عن إنكار منكر العاصين، أن يكون بالنقلة عنهم والتباعد منهم لهم من المهاجرين، ولذلك ما كان لَزِمَ الجبال وصبر على الوحدة، وشظف المعيشة، وترك المدن ومرافقها، وتقرَّب إلى الله رب العالمين حتى توفي ¥ في رأس جبل من الجبال، ولم يزل صابرا فيه ومنه على ضيق المعاش، وشدة الحال، فرحمة الله عليه وبركاته، وقَبِلَ الله منه ما تقرب به إليه من اعتزاله إليه.