[العدل]
  وكان أبي رحمة الله عليه يرى ولاية كل مؤمن من الأولين والآخرين فرضا واجبا، ويرى البراءة من العصاة لله سبحانه الماضين منهم والمتأخرين حتما من الله ø مفروضا لازما، لقول الله سبحانه: {لا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوادّونَ مَن حادَّ اللَّهَ وَرَسولَهُ وَلَو كانوا آباءَهُم أَو أَبناءَهُم أَو إِخوانَهُم أَو عَشيرَتَهُم أُولئِكَ كَتَبَ في قُلوبِهِمُ الإيمانَ}[المجادلة: ٢٢]، يخبر عن علمه الذي هو ثابت كتابا لا يزول بما هم عليه في إيمانهم وصدقهم من الإيقان، إذ لم يتولوا في إيمانهم آبائهم وأبناءهم وإخوانهم على محادة الله ø ومعصيته، وإنهم على أصدق الصدق وأيقن الإيقان.
  ولذلك ما ذكر الله سبحانه إيمان خليله ورسولهإبراهيم، خليل الله عليه أزكى الصلوات وأفضل التسليم، حين ذكر استغفار إبراهيم لأبيه، وهو يرجو رجوع أبيه إلى طاعة الله ø ومرضاته، فوعده الاستغفار له إذا تاب مما كان عليه من شركه بالله ومعصيته، فلما أبى ما دعاه إليه ابنه إبراهيم صلى الله عليه من التوبة عن عظيم خطيئته، وبان له ما كان عليه أبوه من مشآقة الله جل ذكره وعصيانه وعداوته، بعد استغفاره له ورجائه لرجوعه عن الشرك وإنابته، تبرأ منه وخرج من قلبه ما كان عليه من رقته عليه ورحمته، وأثنى الله سبحانه على إبراهيم #، فقال: {وَما كانَ استِغفارُ إِبراهيمَ لِأَبيهِ إِلّا عَن مَوعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنهُ إِنَّ إِبراهيمَ لَأَوّاهٌ حَليمٌ}[التوبة: ١١٤]، فأثنى الله ø على تحلُّمه وصبره، في طاعته له سبحانه وشكره، وأنه أواه، والأواه المتأوه، والمتأوه الرفيق الراحم الكريم، فهو صلى الله عليه مع تأوهه ورحمته تبرأ من أبيه، إذ بان له مشاقته لله، وما كان عليه من عداوته.