باب تبصرة الفطنة
  وأورثه ذلك النظر تبصرة الفطنة، والإزكان الذي يعطاه المؤمن عند الانقطاع إلى الله والإخلاص له، وما يورثه من معرفة قدرة الله وعظيم سلطانه وسعة مكانته، مع ما يخص به من الفطنة لأفعال الخلق والمعرفة بوجوه أفعالهم، حتى كأنه مطلع على ضمائرهم، لما قد اعتبروا علمه من تصرف أسبابهم، وقد سمى الله جل وعز ذلك: توسما، فقال: {إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِلمُتَوَسِّمينَ}[الحجر: ٧٥]، يعني: المعتبرين المتيقظين، وسماه ابن عباس وغيره: إزكانا، وسماه علي بن أبي طالب ~: تبصرة الفطنة، وسماه النبي ÷ في غير خبر: فراسة، وهذه أربعة أسماء تنتظم معنى واحدا، فطنة المؤمن، وأدكار المؤمن، وفراسة المؤمن، وتوسم المؤمن.
  وقال النبي ÷: «المؤمن ينظر بنور الله»، وقال #: «ظن المؤمن كمعاينة الجاهل»، فأهل المعرفة بالله في ذلك طبقات.
  فمنهم من يفهم بالتوسم في الرجل إذا سمع كلامه، فهذه درجة قوم لا تجاوز بهم درجتهم.
  ومنهم من يفهم ذلك بالنظر إليه، فهؤلاء أيضا لا تجاوز بهم منزلتهم، وهم أعلى من الطبقة الأولى.