مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب شرح اليقين

صفحة 214 - الجزء 1

  وقال رجل للأحنف: «ما بلغ بك ما أرى؟ قال: تركي من أمرك ما عناك من أمري»، فرأس الحكمة كله ترك ما لا يعني، وإنما أريد بذلك ترك الدنيا وأهلها، والإشتعال بها بالقلب وهو ما لا يعني، لمن أيقن أنه لم يخلق لها، وأن الوصول إليها قاطع عن مؤانسة الله والعمل لدار الآخرة، وهو الذي يعني ومن أجله خلقت الدنيا وأهلها، وقد قيل: شغلك بما لا يعنيك شغلك عما يعينك.

  وكذلك روي عن عيسى بن مريم # أنه قال: «حرام على قلب يحب الدنيا أن يذوق الحكمة، وكيف يذوق طعم الحكمة من آثر الدنيا على الآخرة، واشتغل بزينة الدنيا عن الإستغال بما يقربه إلى الله».

  وقال #: «يا معشر الحواريين ارضوا بالقليل من الدنيا مع كثرة الحكمة، كما رضي أهل الدنيا بقليل الحكمة مع كثرة الدنيا».

  وقال الله جل ثناؤه: {وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أوتِيَ خَيرًا كَثيرًا}⁣[البقرة: ٢٦٩]، فأهل الحكمة في ذلك رجلان: أحدهما أعلا من الآخر، وأعلاهما درجة من وهب الله له الحكمة، فهو يعمل بها ويعبرها بلسانه، ويعلمها أهل الحكمة الذين تواضعوا للحكمة، وتذللوا لله في التواضع لمن أفادهم، كما قال النبي ÷: «تواضعوا لمن تعلمون منه العلم»،