باب روضة الحلم
  قال علي بن أبي طالب #: «من حلم لم يفرط في أمره، وعاش في الناس حميدا». فروضة الحلم هو جماع الحلم، وذلك أن الحلم شطر البر كله، وهو ملك النفس عند الغضب، فكيف يملكها عند الرضا؟! فإذا ملك العبد نفسه عند الغضب كان أشد الناس قهرا لهواه، فلم يكاف بالسيئة السيئة، ولكن يكافي بالسيئة الحسنة، وكيف بمكأفاة الحسنة؟! وذلك أن العبد إذا قام مقام روضة الحلم، كان دليله الصفح والعفو عمن أساء إليه، والتجاوز عن جميع الخلق إذا أعتذروا إليه من إساءتهم، وتابوا إلى ربهم، فأما وهم مصرون فلا محل للعفو عنهم، كما أنه ليس من حلم الله ذلك إلا بالتوبة، وإنما يكون العفو عند التوبة بإن يكون العبد له أن يقبض فيعفو وأن يكون له أخذ ظلامته فيصفح عند ما يظهر من توبته وبدعِّها لله سرورا منه بتوبة عبده إليه، فأما من عفا عن المصرين المقيمين على المعاصي فقد خالف الله في أدبه وحكمه، لأنه تعالى هكذا قال: {خُذِ العَفوَ}[الأعراف: ١٩٩] بقوله: {وَلَم يُصِرّوا عَلى ما فَعَلوا وَهُم يَعلَمونَ ١٣٥ أُولئِكَ جَزاؤُهُم مَغفِرَةٌ مِن رَبِّهِم}[آل عمران: ١٣٥ - ١٣٦]، فجعل المغفرة على شريطة النزوع عن الإصرار بترك الذنوب والرجوع إلى الندم والإستغفار، وكذلك ينبغي للعالم بأحكام الله أن يستعمل في ذلك أدب الله مع تَحَرُّزه عندما ينزل به من الظلامة أن يتعدى في المكافأة بها، إن آثر من ذلك عليه أن يأخذ الحق من نفسه لهم على قدر طلبه لنفسه منهم، فإذا كان العبد كذلك رأى أن حق الخلق كلهم يلزمه، ولا يرى له حقا قِبَل أحد من الناس إلا قام لله بالقسط فيه، فأورثه