باب العدل
  ذلك النظر فيما للخلق قِبَله، فلم ير لنفسه شيئا دونهم، ولم يحكم لنفسه إلا بما يحكم لهم، فكان ذلك روضة الحلم.
  وقال أيوب السجستاني: «لا يحلم الرجل حتى يكون فيه خصلتان: العفة عما في أيدي الناس، والتجاوز عما يكون منهم وانتظار الإنابة لهم». وقال بعض أهل العلم: «وبذل معروفه لهم». فمن ذلك ما أخبر الله ø في كتابه، وقال النبي ÷ في خبره، فمن ذلك قول الله تعالى: {ادفَع بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ ...} إلى قوله: {ذو حَظٍّ عَظيمٍ ٣٥}[فصلت: ٣٤ - ٣٥]، وقوله تعالى: {وَالكاظِمينَ الغَيظَ وَالعافينَ عَنِ النّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحسِنينَ}[آل عمران: ١٣٤]، وقال: {وَالَّذينَ إِذا أَصابَهُمُ البَغيُ هُم يَنتَصِرونَ ٣٩ ...} إلى قوله: {الظّالِمينَ ٤٠}[الشورى: ٣٩ - ٤٠]، فأخبر أن التعدي في المكافأة ظلم، وأن أشرف العفو وأصل العدل أن يكون إذا عصى الله عبد ألا تعصي الله فيه، ولا ترآده بكلام يخرجك إلى ذلك، بل تكظم غيظك، وتكف لسانك، وتستعمل حلمك، وتخاف إن أضعت ذلك إسخاط ربك، وإن آثرت الإقتياد على العفو كنت كما قال الله: {فَمَنِ اعتَدى عَلَيكُم فَاعتَدوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدى عَلَيكُم وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعلَموا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقينَ}[البقرة: ١٩٤]، اتقوه أن تجاوزوا من ذلك