مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب الجهاد

صفحة 257 - الجزء 1

  يلقي الشيطان من وسوسة المعصية وذلك أن النفس مائلة لغلبة الهوى عليها إلى حب المعصية، ومائلة إلى ما يلقي من ذلك إليها الشيطان، ففرض على المؤمنين فخالفوا عن ذلك هواهم، ويكبحوها عن جماحها وطماحها، وما يسوقها إلى المنهي عنه من فعلها، وأن يذكروا مقام الله عليهم في ذلك، وثوابه ونعمه عليهم، فيراقبوه بالخشية له، والحياء منه، والإحلال لمقامه، ويتذكروا ما أوعد على ذلك من انتقامه، فيخالفوا الهوى مخافة الوقوف بين يديه، والسؤال لهم عن الاستخفاف بأمره، والجرأة عليه.

  وإذا قام العبد بذلك على نفسه، كان من أهل الثواب الذين وصفهم الله بقوله: {وَأَمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوى ٤٠ فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوى ٤١}⁣[النازعات: ٤٠ - ٤١]، ولم يكن من الذين قال: {فَأَمّا مَن طَغى ٣٧ وَآثَرَ الحَياةَ الدُّنيا ٣٨ فَإِنَّ الجَحيمَ هِيَ المَأوى ٣٩}⁣[النازعات: ٣٧ - ٣٩]، وقد قال جل ثناؤه: {وَمَثَلُ الَّذينَ يُنفِقونَ أَموالَهُمُ ابتِغاءَ مَرضاتِ اللَّهِ وَتَثبيتًا مِن أَنفُسِهِم}⁣[البقرة: ٢٦٥]، التثبيت هاهنا هو: مجاهدة النفس بإخلاص العمل، وطلب الزلفة لديه دون من سواه من جميع خلقه، وقال: {بَلِ الإِنسانُ عَلى نَفسِهِ بَصيرَةٌ ١٤ وَلَو أَلقى مَعاذيرَهُ ١٥}⁣[القيامة: ١٤ - ١٥]، يقول: وهو الرقيب على نفسه مما يكون منه، والشاهد عليها غدا بما كان منها، وهو قوله تعالى: {اليَومَ نَختِمُ عَلى أَفواهِهِم وَتُكَلِّمُنا أَيديهِم وَتَشهَدُ أَرجُلُهُم ...}⁣[يس: ٦٥] الآية، وقال تعالى: {فَلَا اقتَحَمَ العَقَبَةَ ١١ وَما أَدراكَ مَا العَقَبَةُ ١٢ فَكُّ رَقَبَةٍ ١٣ ...}⁣[البلد: ١١ - ١٣] إلى آخرها. وهو مجاهدة النفس عن هواها في طاعته، واتباع محبته.

  وقد ذكر ذلك عن النبي ÷ في أخباره، قال # حين رجعوا من غزوهم: «رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر،