مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب الفرق بين العقل والهوى

صفحة 265 - الجزء 1

باب الفرق بين العقل والهوى

  فالعقل على معنيين:

  عقل مخلوق وهو عقل الحجة الذي احتج الله به على خلقه، يكون مع العبد عندما يعرف النفع من الضر، والخير من الشر، وغير ذلك، فهذا هو العقل الذي يحتج الله به على عباده، عند تركيبه وقت بلوغه وإيجاب التكليف به، وقد جعل الله هذا العقل متصرفا في الوجوه، ومكن به صاحبه درك ما كُلِّف، والحذر مما خُوِّف، وقد فهم بعقله المضار والمنافع، وحبب إليه اجترار منافعها، والهرب من مضارها، وجعل نافعها لا يوصل إليه إلا بتحمل مؤونه وضارها، لا تنصرف عليه إلا بتكلف مشقة، وجعل مع ذلك نافعها وإن كان مرغوبا فيه وإن كان لا ثبات له بعد حله له، ثم نبه على دار غير داره التي خلق فيها ودعا إليها ورغب فيها، وزجر عن التخلف عنها بدار مؤلمة مضرة لمن حلها، وضرب له من المثل على قدر ما شاهده، وقدَّر الأمر عنده على قدر ما طُبع عليه، لأنه لا يصل إلا من رغب فيه، إلا بالحمل على نفسه، ولا ينجو مما حذره إلا بالحمل على نفسه، ولا ينجو من كراهة ما طُبع على كراهته إلا بالحمل على بدنه، وإنما فعل به ذلك كله ليسهل به عليه سبيل ما دعا إليه، وما أجرى بخلقه له، ولتكن مسارعته إلى ذلك، ومنافسته فيه، على تفاضله في محبوبه ومكروهه، لأنه قد طبع اعتقاد البعث على قدر ما يعلم من منتفع به والمهروب منه، فيكون ذلك له أساسا يعمل عليه، فيما رغب فيه ورهب منه، فمن فهم عن ربه، وعقل عن خالقه، وتيقن حقيقة أمره، سهل عليه مضارّة نفسه في طاعة ربه، واستغل