[اعتزال المدن]
  فساد القلوب، والخبال الأكبر، لما هم عليه وفيه من فعل كل فجور وفسق وشر، إلا أقل القليل منهم.
  فالهرب الهرب والبعد البعد عنهم، فإن المدن والقرى موضع اللؤم والشر والبلاياء، بما تجمع وتضم من شرار الناس والأوغاد، وما ينضم فيها ويأوي إليها من أخلاط الأجناس، وسقاط شرارهم من كل بلاد فيها، وفيها سقاط الأمم، ورذلات العرب والعجم، من حمران الأجناس وسودانهم، المعتربين عن بلدانهم وأوطانهم، والمختلفين في عقولهم وهممهم، وألوانهم ومذاهبهم، وأخلاقهم ودياناتهم، فالحياء والاحتشام عندهم وبينهم مرفوض ومطروح، وكلهم فغريب عن بلده وموضعه لا يستحي من خنا ولا خزي أتاه وركبه ولا فضوح، ولكل جنس منهم ضمته هذه القرى والمدن في بلده وأصله طباع وخلق، وهو عندهم كيِّس محمود، وعند من يعقل همج قبيح، فلسوادانهم في الطرب والزفف واللعب والمنازعة إلى ما يغلب على طباعهم في بلادهم من الشرور وقبايح الأمور، ما لا يبلغه في الطرب والزفف واللعب نواهق الحمير، والحُمران أجناسهم مذاهب أخرى، كثيرة لا تحصى، من كل شر وبلاء، وفسق ومجون وخنا، من إتيان كثير منهم للذكور، وشهوة من لا تشتهيه الحمير، ولا البهائم الخنازير منها ولا غير الخنازير، من إتيان الذكران، وهذا البلاء.
  وهذه الفاحشة العظمى، فيما بلغني فأصلها وبدؤها ومخرجها من أرض العراق وفارس وخراسان، إلا من عصم الله من الأمم، أو من كفَّه ورَدَعَه عن ذلك دين وورع وطباعُ كرم، مع ما تضم المدن والقرى من عساكر المتغلبة والسلاطين، وما يضم إلى العساكر ويأوي إليها من سقاط الناس والأجناس والشياطين وما في المدن والقرى من منكرات الفواحش والبلاء، واستجازتهم كبارهم وصغارهم اللفظ بالفحش والخنا، فهو بين كبارهم وصغارهم عادة