[اعتزال المدن]
  العرب أجود في تصريف نظم البيان، كقوله سبحانه: {وَلَولا كَلِمَةٌ سَبَقَت مِن رَبِّكَ لَكانَ لِزامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى}[طه: ١٢٩]، فأخر هذا الكلام مع أوله، وإن كان قد دخل بينه نظم البلاغة وفَرَّق بين فواصله، فإنما أراد تبارك وتعالى: ولو لا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما.
  ففي هذا يا بني ما نبهكم وكفاكم، فالحذر من قليل شرب المسكر وكثيره، لما هو مسخوط محرم عند ربكم ومولاكم.
  فالحذر يا بني من المسكر قليله وكثيره الحذر الحذر، فإنه حبالة إبليس التي أوقع بها من لا نظر له لنفسه من الخاصة والعامة في كل منكر، وفجور وشر. ولو لم ينزل الله عنه نهيا ولا فيه تحريما، لكان السكر والمسكر عند كل ذي لب عاقل منكرا عظيما، لما يصير إليه مَن شربه من فُقدِ عقله، والافتضاح بذهاب فهمه وحيله، وكشف عورته والتمرغ في سلحه وبوله، مع ما هو أعظم من ذلك عظما، من إتيان الفجور عند السكر الذي جعله الله مسخوطا عنده محرما.
  فلم أعلم - والحمد لله - لكم أبا ولا جدا إلى علي # أعلمه يشرب قط نبيذا ولا مسكرا، بل كلهم يرى ذلك من أكبر الفواحش منكرا، ومن عظائمها وكبائرها فسقا وخبثا وشرا. تولاكم الله يا بني بالانتهاء والإزدجار والحذر والاجتناب والاعتزال لكل ما أسخط خالقكم وربكم ذا الكبرياء والعزة والجلال، وسلمكم الله مما قد عم أهل زمانكم ودهركم من الشرور والحيرة والخذلان بارتكاب كبائر المعصية، وما يستبيحون بجهلهم وظلمهم لأنفسهم وقلة يقينهم بما حذروهم الله من عقابه من المنكرات والفواحش المهلكة المردية.
[اعتزال المدن]
  فليس النجاة لكم ولمن معكم إلا الهرب في البوادي والأودية والجبال منهم، والتحبب إلى خالقكم بهجرتهم والبعد عنهم، فإن في مساكنتهم والاختلاط بهم