[أخلاق أهل المدن]
  أخلاط الناس، ويحيط بكم ما فيها من شرور الأشرار، وما فيهم من الدنس والأنجاس، كالبوادي التي تتسع بأهلها، وتضم من فيها من سكانها، كما تجمع القرى وتضم وتخلط بين من فيها من رذالة اشرارها وسفلها، لأن كل ساكن في البادية فهو وحده يمكنه أن يكون في عزلة وناحية.
  وسكان القرى متضامون في السكك والدور مجتمعون، يرى بعضهم ما في بعض من الفساد والمنكر والشرور، ويأنس بعضهم ببعض فيما يفعلون من منكرات الفجور، ثم لا يجد من يسكن بينهم بدا من مضامتهم ورؤيتهم ومعاينة فواحشهم وفسقهم، وما يبتلى به من سوء جوارهم، ونذالة أخلاقهم، ولؤم كبارهم وصغارهم، واستحسانهم بينهم للؤم الأخلاق، وقلة إنكارهم للدناءة والخنا، وما فيهم من فواحش الريب والبلاء، أعظم وأكبر من أن يؤتي له على صفة أو يحصى، يتكلم سفسافهم، وأهل أسواقهم، وأكبر كبارهم وصغارهم، بأفحش الفحش وأعور الكلام علانية جهارا، فلا ترى أحدا منهم أنه يجب عليه أن يكون منه لما سمع من ذلك إنكارا، فنساؤهم وأكثرهم في الأسواق متبرجات، وأكثر اللواتي لا يخرجن متطلعات من الكوى والأجنحة غير مستحييات.
  فلم تروا يا بني هذا ومثله ظهر في القرى وعم؟! حتى لا ينكره منكر من أهل القرى ولا يحتشم منهم محتشم، فأنا أخبركم يا بني لم كان هذا في المدن والقرى بلا غلط ولا توهم، وذلك إنما هو لأن القرى والمدن تجمع وتضم من رذالات الأجناس، وحشو سفساف الناس، وسقاط العجم وشرارهم، فيختلطون ويجتمعون غرباء عن أوطانهم وبلدانهم، فمنهم من هو مملوك مرقوق، ومنهم من هو غير مملوك وهو لئيم الأصل، قليل الحياء للمجنون والدناءة والجفاء والمروق، والعتاوة والفسوق، فقد اختلطوا وماج بعضهم في بعض، فملوا بالشرور لقلة الحياء، ولؤم الأمهات والآباء، ولأن بعضهم لا يعرف بعضا، جميع القرى في الأرض ومن اختلط بهم، ممن كان له أصل أو