[أخلاق أهل المدن]
  نسب من قريش والعرب، أو من له حرية نفس من العجم، أو من كرام أجناس الأمم، فلغلبة من ذكرنا من القرى من سقاط الناس، ورذالة الأمم والأجناس، قد غمر هؤلاء في كثرتهم وقلوا، وصار العدد والمال واليسر، والرذالة والسفل، وافتقر كل من له حرية وقل عددهم، وصار من له أصل ودين بين هؤلاء الذين قد ذكرنا قد خمل وذل، لأن الغلبة في الدنيا الدنية، وهذه الدار الأولى من الدنيا الدنية، إنما هي للحشو الأكثر في العدد، ولا سيما إذا لم يكن لسلاطين الحق والعدل على السفساف والرعاع بحكم الله يد.
  فالناس اليوم يا بني في مدن القرى مختلطون، يموجون ويختلط بعضهم في بعض كما تموج أمواج البحر بالماء، ليس فيهم ولا منهم محق يقوى عليهم، وأحكام الله وآدابه في كتابه لا تنفذ فيهم، فقد اختلط عِلْية من في المدن والقرى بسفلهم، وطال اختلاطهم وثواهم بينهم، حتى جروا على سيرتهم، وصاروا لا يستقبحون قبيحا، ولا يرون دناءة ولا فاضحا فضوحا، والإلف للغلبة السفلة، وصارت السفل لكثرتهم وغلبتهم قد رهقتهم الذلة، واحتاج هؤلاء الذين لهم أصول وحرية إلى أولئك، فكلهم في مذهبه وخلقه هالك.
  قد استحس من في القرى والمدن من بقايا كرام الناس، ما يستحس مَن غلب على المدن والقرى من سفل الأجناس، لغلبة الغوغاء والرذالة وسقاط الأمم والسفلة على القرى وكثرة عددهم فيها، فقد غرق بينهم وخزي وذل وقل كل من آوى إليها من أهل الدين والحسب، وكاد أن يبطل بل قد بطل كل ذي دين ونسب.
  فالمهرب المهرب يا بني من القرى والمدن، الهرب الهرب، فلو لم تهربوا منها وتباعدوا إلا لِذلِّ الأحرار وفقرهم بها، وأن السفساف ومن لا خطر له ولا