[أسى وتوجع لفساد الزمان]
  فَسَأَكتُبُها لِلَّذينَ يَتَّقونَ وَيُؤتونَ الزَّكاةَ}[الأعراف: ١٥٦]، فأخبر سبحانه أن رحمته التي وسعت كل شيء لا يكتبها إلا للمتقين.
  وقال تبارك وتعالى في موضع ثالث محكم من كتابه: {أَم نَجعَلُ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالمُفسِدينَ فِي الأَرضِ أَم نَجعَلُ المُتَّقينَ كَالفُجّارِ}[ص: ٢٨]، وحاشا الله العدل الحكيم أن يكون مَن عصاه وفجر في دينه كالمطيعين الأبرار. وقال في موضع رابع في محكم كتابه، وهو يخبر عن حكمه الذي لا يحكم أبدا بغيره بين عباده: {أَم حَسِبَ الَّذينَ اجتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَجعَلَهُم كَالَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحياهُم وَمَماتُهُم ساءَ ما يَحكُمونَ}[الجاثية: ٢١]، وما نزل في القرءان من حكمه بالعقاب على أهل المعصية، وحكمه بالثواب والعفو لأهل التقوى والطاعة، أبين وأوضح وأكثر وأزهر من أن يعمى عنه إلا مَن خدع نفسه وغرها، ومات عقله وهلك ودمر.
  وإنما يا بني جرى هذا التبيين مني والكلام في هذا الموضع، لأن لا تغلطوا في مثل ما غَلِطَتْ فيه من التمني على الله جهلةُ العوام.
  وسنعود إلى ما كنا فيه من اعتزال جماعة الناس في المدن والقرى والهجرة إلى الله عنهم، والتقرب إليه بالبعد منهم، وسأذكر لكم يا بني بعد ما ذكرت لكم من تنزيل الله، وما ذكر فيه من قول ملائكته للمستضعفين الذين لم يهاجروا عمن يشآقه ويعصيه، أن يقولوا لمن هذه صفته ممن يتوفون: {إِنَّ الَّذينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمي أَنفُسِهِم قالوا فيمَ كُنتُم قالوا كُنّا مُستَضعَفينَ فِي الأَرضِ}[النساء: ٩٧]، تعني الملائكة À بقولهم لمن يتوفون: {فيمَ كُنتُم} ماذا فعلتم فيما به أمرتم من إنكار المنكر؟! والنهي والأمر بالمعروف لمن جاور؟ {قالوا كُنّا مُستَضعَفينَ فِي الأَرضِ}، فلم تقل ملائكة