[أسى وتوجع لفساد الزمان]
  الدين، إذ قد صارت الخاصة والعامة في أرض الله وبلاده مفسدين، ولما أمر الله به رسوله في كتابه وعلى لسان نبيه جاحدين، فأكثر الناس ضال تائه عن الله ورسوله وهو يحسب أنه مهتدي، ناقص دينه الذي أمر الله به ورسوله وهو فَرِحٌ ويعتدي، قد رضي من دينه بالتمني على الله مع تقصيره لتجارة المخلصين، الذين كانوا بتقواهم وطاعتهم برحمة الله ورضوانه مخصوصين، فرجوا وأملوا إذ زعموا وجهلوا وضلوا، أن يكونوا من أهل الطاعة لله ولم يتقوه، كما اتقوا، ولم يعملوا من الصالحات كما علموا، وغرهم الشيطان فأضلهم وأغواهم، إذ لَبَّس عليهم علماء السوء الراكنون إلى غرور دنياهم، فأغفلوا ونسوا ما قال ربهم ومولاهم لمن كان هو خلافهم، ومن كان بعيدا من مثل خطاياهم، ومن لم يركب ما ارتكب أهل هذا الزمان، من كبائر الفواحش والعصيان، إذ تمنوا في أيام الرسول ورجوا طرفا من الرحا والأماني، فقال سبحانه لهم على لسان نبيه منبها ومحذرا، أن يتمنى متمن عليه مع المقام على الذنوب وترك التوبة أن يكون لهم غافرا، فقال سبحانه في ذلك للمؤمنين، وهو ينهاهم أن يكونوا بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في التمني على الله للمغفرة وعفو السيئات متشبهين، فنهاهم وحذرهم أن يكونوا لمثل ما يتمنون متمنين: {لَيسَ بِأَمانِيِّكُم وَلا أَمانِيِّ أَهلِ الكِتابِ مَن يَعمَل سوءًا يُجزَ بِهِ وَلا يَجِد لَهُ مِن دونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصيرًا ١٢٣ وَمَن يَعمَل مِنَ الصّالِحاتِ مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولئِكَ يَدخُلونَ الجَنَّةَ وَلا يُظلَمونَ نَقيرًا ١٢٤}[النساء: ١٢٣ - ١٢٤]، فلم يوجب الرحمة لأحد من خلقه بالأماني، ولم يوجبها إلا لمن عمل الصالحات وآمن من كبائر العصيان.
  كذلك قال أيضا سبحانه في موضع آخر من محكم كتابه وهو يذكر ما لهم من الرحمة والغفران، لمن كان ذا تقوى وإيمان: {وَرَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ