[تحذير أبنائه من سكنى مكة والمدينة والعراق لعداوة أهلها]
  من العرب في البوادي، ولا تختلطوا ولا تجاوروا من العرب أهل اللصوصية والفتنة، ولا تكثروا دخول المدينة ومكة إلا لزيارة قبر رسول الله ÷، أو لحج بيت الله الحرام، أو لأخذ حاجة تحتاجون إليها من الأسواق، أو لفتنة هايجة مخوفة غالبة، تخافون معها انقطاع الميرة والطعام، فإن كان عندكم ذخيرة، وكانت عندكم بُلغة ونفقة وميرة، ففي البادية من الأودية والجبال والفروع والمحال في شواهق الجبال من يعزكم عند كل فتنة إن شاء الله تعالى.
  وكذلك فلا تسكنوا مدن العراق ولا مدينة الكوفة، فإنهم قد صاروا إلى غاية العداوة والنفاق وليس لكم بلد ولا لأولادكم أنقى من بوادي الحجاز. تولاكم الله بالتوفيق والإرشاد، في الدين والدنيا وسكنى البلاد.
  واعلموا يا بني أن ذكر البلاد وأخبارها، وذكر الأمم والأجناس وأمورها، سأشرح لكم إن شاء الله منه ما قد ذكرت لكم في أول كتابي هذا، إني سأشرحه وأبينه لكم بالخبرة والتجربة، ما قد كفيتكم المؤنة فيه، فأوضح لكم إن شاء الله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، عليه توكلت لي ولكم وفيه، وهو رب العرش الكريم.
  وإنما دعاني هاهنا إلى ذكر البادية، ما عرض في وصيتي لكم من ذكر الهجرة عن جماعات المدن والقرى والفجرة الغاوية، فلما أعلمتكم أنه لا مهرب منهم، ولا هجرة إلى الله عنهم، إلا إلى البادية، تعزلكم عن كل فتنة، وما هو أسلم عند الفتن من القرى والمدن، لأن أهل الفتنة إنما يطلبون الغنائم والنهوب في أماكن القرى وطرقها، والناس فلا يطلبون من اعتزل في أودية البوادي، وجبالها الصعبة الرواسي، ولذلك وضعت لكم ووصفت لكم تفصيل البوادي، وما فيها من المرفق والعزلة عن أهل العداوة لربكم.
  ولكن سأعود إن شاء الله تعالى إلى ما ابتدأت به من وصيتكم بطاعة خالقكم وربكم، وحذر معصية بارئكم وإلهكم. والآن آخذ من وصيتكم في إتمام