مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[الصلاة]

صفحة 408 - الجزء 1

  ألا ترون يا بني كيف يقول: {اركَعوا وَاسجُدوا وَاعبُدوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ} ولكفى بهؤلاء الكلمات في هذه الآية دليلا على فضل الصلاة والفلاح.

  يا بني في جميع القرءان فهو الربح والأرباح، فما سمعتم في القرءان قد أفلح، فمعناه قد ربح أو أربح، والمفلحون فهو الرابحون.

  وفي الصلاة يا بني وفضلها ورضوان الله عمن فعلها من أهلها ما بدا الله بها في صفة المؤمنين، وجعلها أول فريضة على المسلمين، وقدمها قبل غيرها في شرائع الدين، ألا ترون أن الكافر المشرك إذا تاب من شركه وأسلم، كان أول ما يؤمر به أن يبتديه الصلاة لربه وبارئه، قال الله لا شرك له وهو يقدم الصلاة في منزل القرءان، عند ذكره وصفته لأعمال أهل الإيمان: {قَد أَفلَحَ المُؤمِنونَ ١ الَّذينَ هُم في صَلاتِهِم خاشِعونَ ٢ وَالَّذينَ هُم عَنِ اللَّغوِ مُعرِضونَ ٣ وَالَّذينَ هُم لِلزَّكاةِ فاعِلونَ ٤ وَالَّذينَ هُم لِفُروجِهِم حافِظونَ ٥ إِلّا عَلى أَزواجِهِم أَو ما مَلَكَت أَيمانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلومينَ ٦ فَمَنِ ابتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادونَ ٧ وَالَّذينَ هُم لِأَماناتِهِم وَعَهدِهِم راعونَ ٨ وَالَّذينَ هُم عَلى صَلَواتِهِم يُحافِظونَ ٩}⁣[المؤمنون: ١ - ٩]. فذكر سبحانه صفات المؤمنين التي كانوا بها عنده في الآخرة ناجين، فبدأ فيها بالصلاة عند ذكر أولها، ثم ختم بالمحافظة عليها عند صفاتهم في آخرها.

  فتفهموا يا بني - وفقكم الله - في هذه الآيات ما ذكر الله سبحانه من هذه الأعمال التي ورثهم بها الفردوس، وهي ستة أعمال من الحسنات، فقد كفاكم الله الدلالة على النجاة بها إن فعلتموها نجوتم وفزتم بجميع الخيرات، وما ذكر الله به الصلاة من فضلها فهو في آيات لا نحصيها من القرآن، ولا نأتي هاهنا على ذكرها كلها.