(ومن سورة النحل)
  عند الفزع منهم العقول، فيخلطون في الكلام، ويجحدون الاساءة لما يعاينه المسيء من النكال ويراه، كما يجحد المملوك من الآدميين في دار الدنيا عظيم ذنبه، لما يخاف ويحل من كبير العقوبة، وإن لم ينفعه الجحد، روعا وفزعا واختلاطاً، لعظيم ما يعاين وانقطاعا.
  قوله ø: {إِنَّما جُعِلَ السَّبتُ عَلَى الَّذينَ اختَلَفوا فيهِ}.
  قال محمد بن القاسم بن إبراهيم ¥: السبت يوم موسى صلى الله عليه، الذي أمر أمته بإعظامه وترك الأعمال فيه.
  وقد ذكرت اليهود: أن في التوراة أن الله خلق الخلائق كلها في الأيام الستة، أولها الأحد وآخرها الجمعة، وأن يوم السبت كان يوماً خالياً من أن يكون الله صنع فيه خلقا، فقدسه إذ خلقه يوماً مفرداً بعد كمال ما خلق من خليقته، وأحدث هذا اليوم بعد كمال ما أظهر في غيره من حكمته، وجعله يوماً مقدساً تأول فيه، قالوا لأنه كان يوم فراغ.
  فإن يكن في التوراة على ما ذكروا، فهو مثلٌ نُبهوا به وعُبِّروا، ليعلموا أن الله قد أتم ما أراد من خلقه في الستة أيام، أخبرنا على لسان النبي ÷ في القرءان فقال: {وَلَقَد خَلَقنَا السَّماواتِ وَالأَرضَ وَما بَينَهُما في سِتَّةِ أَيّامٍ وَما مَسَّنا مِن لُغوبٍ}[ق: ٣٨]. لأنه لما خلق في الستة الأيام التي قبل السبت ما خلق، وكان يوماً فرغت فيه القدرة من تمام جميع الخلق، وتأصَّل الأقوات، وتقدير ما يتوالد من متناسل ذلك بعضه عن بعض، فيما بين السموات والأرض، إلى يوم القيامة والميقات، كان السبت خالياً، واسمه يدل أنه مِن خلقِ جميعِ الأشياء خلوٌ خالياً.
  ولذلك قيل للجلود التي لا شعر عليها: سبيته، وسميت الجمعة بهذا الاسم لأنها كانت آخر الأيام الستة التي جمعت جميع ما بقي من الخليقة، وهي آخر الأيام، ويقال: إن الساعة - والله أعلم - فيها تقام.