مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

(ومن سورة النحل)

صفحة 431 - الجزء 1

  وجعل الله السبت يوما أمر موسى # بتعظيمه، وأن يكون يوم راحة لكل مشتغل من أمته من عمله، ليذكروا بذلك عجيب ما أخبرهم الله عنه من تمام الخلق في الستة الأيام من قبل كونه، وإنما أمر الله النبي ÷ - والله أعلم - للجمعة بالتبجيل والإعظام، لأنه خاتم النبيين والجمعة خاتمة الأيام.

  قوله ø: {يُضِلُّ مَن يَشاءُ وَيَهدي مَن يَشاءُ}.

  قال محمد بن القاسم بن إبراهيم ¥: معنى ذلك: أنه يوقع اسم الضلال عليه وينسبه إليه ويدعوه به، فلما أن كان ذلك جاز، أن يقول ø: {يُضِلُّ مَن يَشاءُ}. أي: بإيقاع اسم الضلال عليهم، فلما أن استوجبوا بفعلهم سماهم ضالين، وهذا موجود في لغة العرب، إذا قال رجل لرجل: يا ضال، قال: فلان ضلَّلني، ويقول السامع: فلان ضلل فلاناً، ولم يضلله عن منهج ولا عن حجة، وإنما سماه: ضالاً، فلما أن سماه ضالاً قال: ضلله، فعلى هذا يخرج معنى قوله سبحانه: {يُضِلُّ مَن يَشاءُ}. أي: يوقع أمر الضلال على من يستأهل ذلك بفعله، ويستوجبه بجرمه.

  ولو كان الله ø كما يقول الظالمون، ليقضي عليهم بالمعاصي قضاء حتم، ويقضي عليهم بالطاعة قضاء حتم، كما قضى عليهم بالخلق، فجعل منهم أسود وأبيض وأسمر وأصفر، وطويلاً وقصيراً، ما ذمهم على معاصيهم، ولا عاقبهم على فعلهم، ولا حمدهم على إحسانهم ولا على طاعتهم، إذ كان ذلك منه قضاء، كما لم يحمدهم ولم يعاقبهم على بياضهم وسوادهم واختلاف ألوانهم، إذ ليس لهم فعل يذمون عليه، ولا يحمدون فيه، لأن المحمود مُدخَل في فعله، غير مخيَّر في نفسه، ولكن جعلهم سبحانه مخيرين في الطاعة والمعصية، ممكنين في الاستطاعة، وأبان لهم طريق النجاة، وأبان لهم طريق الهلكة، ثم قال: {لِيَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحيى مَن حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ