مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

(ومن سورة النحل)

صفحة 441 - الجزء 1

  فكأنه إنما عذبهم على فعله، وعاقبهم على إرادته وقضائهن ø عن ذلك، وتعالى ربنا الواحد الكريم.

  أو تكون الطاعة التي أمر بها نبيه بقتالهم حتى يفيئوا إليها هم عليها قادرون، وبها مستمسكون مخيرون، فقتالهم واجب، والفرض من الله فيهم لازم، حتى يتركوا هوى أنفسهم، ويرجعوا إلى طاعة ربهم، فمن رجع إلى هذا القول صح قوله، وسلم من معصية ربه.

  ومما يسئلون عنه، أن يقال لهم: خبرونا عن المُقْعد الذي خلقه الله [مقعدا] هل تلزمه الصلاة قائما لا يحل له غير ذلك؟! وإن صلى قاعداً لزمنا التغيير عليه، كما يلزمنا التغيير على من صلى قاعداً وهو يطيق القيام؟!

  فإن قالوا: يلزم المقعد أن يصلي قائماً، فقد كلفوه ما لا يطيق، ولا يجد إليه سبيلا.

  وإن قالوا: يصلي قاعداً وهو عند الله معذور، وعندنا غير مذموم، لأنه ممنوع من ذلك لا حيلة له إليه، لأن الله لم يكلف نفساً إلا وسعها، فقد أصابوا الحق، ورجعوا عن الباطل إلى الصدق.

  فيقال لهم: فما بالكم عذرتم هذا المقعد وحكمتم له عند الله بالسلامة؟ إذ كان لا يطيق القيام لما ابتلاه الله به، ولم تعذروا مَن منعه الله من الطاعة، وقضى عليه بالمعصية، كما قضى على المقعد بالقعود، فلم يكن له حيلة، كذلك قضى على العاصي بالمعصية، فلم يكن له إلى الطاعة سبيل، فيجب في عدل الله ø ألا يعذب من حكم عليه وقضى بالكفر، إذ منعه من الطاعة، ويجب على المسلمين أن لا يكرهوا ما أراد الله، وأن يقوموا بعذر هذا الكافر المقضي عليه، كما قاموا بعذر المقعد في الصلاة، إذ لا حيلة له إلى غير ذلك، وإلا فما الفرق بين القضائين، والحكمين؟ لا فرق بينهما عند من أنصف وعقل، إلا أن يكابر مكابرة، فيشهد بالعجز على نفسه، ولا تجب مناظرته، لما بان مِن جهلِه، وقلة فهمه.