مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

(ومن سورة حم عسق)

صفحة 476 - الجزء 1

  وَضُحاها}⁣[الشمس: ١]، {وَتَرَى الشَّمسَ إِذا طَلَعَت}⁣[الكهف: ١٧]، والشمس والزهرةَ فأُنثَيَان، والمشتري والقمر فذَكَرَان، وكذلك النجوم الثمانية وعشرون الأخرى، هي للشمس والقمر منازل ومجرى، فهي بغير شك ذكران وإناث، ليس بين أهل الألسنة من العرب والعجم في ذلك إختلاف، وكذلك فمن الحديد والحجارة، و جميع ما في المعادن المذكورة ذكران وإناث، وكل هذا فمما علمنا الله ودلنا عليه.

  ومن الذكران والإناث كمال قال الله سبحانه ما لا نعلمه إذ لم يذكره ولم يهدنا إليه، إلا أن الله سبحانه قد أخبرنا عن أهل سماواته، ومَن عنده من مُكَرَم ملائكته، أنهم ذكران لا إناث، إذ أنكر قول المشركين بالتأنيث لهم فيهم، ورد ضلالهم مكذبا لهم عليهم، إذ يقول تعالى: {وَجَعَلُوا المَلائِكَةَ الَّذينَ هُم عِبادُ الرَّحمنِ إِناثًا أَشَهِدوا خَلقَهُم سَتُكتَبُ شَهادَتُهُم وَيُسأَلونَ}⁣[الزخرف: ١٩]. وقال: {لَن يَستَنكِفَ المَسيحُ أَن يَكونَ عَبدًا لِلَّهِ وَلَا المَلائِكَةُ المُقَرَّبونَ}⁣[النساء: ١٧٢]. ولو كانوا إناثاً لقال: ولا الملائكة المقربات، ولكنه ليس فيهم ولا منهم أنثى، ولذلك قال: {المُقَرَّبونَ}، دليل على أنهم ذكران مذكورون.

  ثم قال - لا إله إلا هو - منبهاً على ما في الليل والنهار ومن آياته، وما فيهما على الخلق من عظيم نعمته: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيلُ نَسلَخُ مِنهُ النَّهارَ فَإِذا هُم مُظلِمونَ ٣٧ وَالشَّمسُ تَجري لِمُستَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقديرُ العَزيزِ العَليمِ ٣٨}. فأي آية أكبر وأعظم عند من يعقل ويفهم من اختلاف الليل والنهار؟! وما يُقدر الله بهما وفيهما من عجائب التدبير والأقدار؟! بينما الناس في ضوء شمسهم ونهارهم، مقبلون ومدبرون في معايشهم وأمورهم، والشمس تجري في فلكها عالية من فوقهم، قد قدر الله بها وبجريها ما نعلمه لكثرة عبره