مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

(ومن سورة حم عسق)

صفحة 477 - الجزء 1

  من تدبير مصالحهم ومرافقهم، إذ قطعت الفلك بأمر ربها وربهم، فتصوبت للغروب وأقبل الليل منسلخاً منه النهار، وانسلاخه منه - والله أعلم - انسلاخه عنه، وعنه ومنه مقامهما في هذا مقام واحد، فحينئذ يبدو سواد الليل طالعا، فكل ما انسلخ النهار مدبرا، ومضى بين يديه عنه مستأخراً، ظهر وازداد اسوداداً.

  حتى إذا نحن بعد النور والبرهان مظلمون، وعن الإقبال والإدبار لما كنا نقبل له نهاراً أو عن أكثر ذلك ممسكون، وإلى الهدوء والراحة مائلون، وعن النشاط والقوة بكرى النوم زائكون، ومن أتعابنا ولغوب دوابنا في نهارنا مستريحون، وعن الأبصار كما كنا نبصر بها نهارا ممنوعون، لا نملك لشيء من هذا كله عن أنفسنا دفعا، ولا نستطيع رداً ولا منعا، دلالة من الله سبحانه على أنه هو المصرف لنا في جميع أحوالنا، وعلى عجزنا من الامتناع في تدبيره بنا، ونظراً منه تبارك وتعالى لنا، فنكون مسبوتين نياماً في ليلنا، حتى إذا بلغ الليل ما أراد سبحانه أن يبلغه من الميقات، في سراه ومسيره إلى غاية ما قدر الله عليه من الساعات، ظهر الفجر ساطعا، وأقبل النهار طالعا، فكلما انسلخ منه النهار مدبراً، ومضى بين يديه فتحرك حينئذ جميع الحيوان الذي هدأ فيه ليله وسكن لما يريدون من المعاشرة والشأن، قد حُموا من التعب واللغب براحة الأبدان، ففي هذا من مر الليل والنهار وغيره آيات عظام، وفضل من الله على خلقه وحسن نظر وإنعام.

  ثم أخبر تقدس اسمه وجل أمره عما تولى للخلق من النعيم في جري الشمس، لما في جريها من صلاح الدنيا وحياة كل من في الأرض من ذي نفس، وإذ بالشمس وضوءها تبصر العيون، وينتشر الناس وينحون، ويذهبون ويعملون في صناعاتهم وأرفاقهم ما يعملون، وبجريها يكون كثير من صلاح أبدانهم، وعامة معاشهم وعمارة بلدانهم، وعلم عدد سنيهم وشهورهم، وما يصلح الله بها من زرعهم وثمارهم، وما يكثر عن أن نحصيه لصغرنا عن علمه.