(ومن سورة حم عسق)
  فقال: {وَإِذا قيلَ لَهُم أَنفِقوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذينَ كَفَروا لِلَّذينَ آمَنوا أَنُطعِمُ مَن لَو يَشاءُ اللَّهُ أَطعَمَهُ إِن أَنتُم إِلّا في ضَلالٍ مُبينٍ}. فأجابوا فيما دعاهم الله إليه من إطعام الفقير والإنفاق، جواب اللئام البخلاء الجاهلين مثلهم، واحتجوا على النبي ومن دعاهم إلى ذلك من المؤمنين بما لا حجة لهم فيه، فقالوا: {أَنُطعِمُ مَن لَو يَشاءُ اللَّهُ أَطعَمَهُ}. وجهلوا أن ما دعاهم الله إلى إطعام الفقراء محبة لهم بذلك واختبار وبلوى، ليجزيهم الله في إطعامهم والإنفاق في ذلك مما رزقهم الجزاء الأوفى، الذي هو أطيب وأعظم مما أنفقوا وأزكى وأكبر، وقد علم النبي # والمؤمنون، إذ هم لهم إلى الإنفاق داعون، أن الله أقدر القادرين، على إطعام الفقراء المعسرين، فذكر الله ما كان من ترك الإنفاق من جواب الكافرين، ليكون المؤمنون لمثل معصيتهم فيما أقروا به حذرين.
  ثم قال تبارك وتعالى مخبراً عما كان الكافرون عليه من التكذيب بيوم القيامة ووعدها، بإنكار الكفرة للبعث وجحدها، فقال: {وَيَقولونَ مَتى هذَا الوَعدُ إِن كُنتُم صادِقينَ}. يقول الله سبحانه وهو يخبر أن الصيحة تأتيهم وهم بالغفلة والتكذيب عنها من الساهين: {ما يَنظُرونَ إِلّا صَيحَةً واحِدَةً تَأخُذُهُم وَهُم يَخِصِّمونَ}. يعني تبارك وتعالى وهو - أعلم وأحكم - أنها تأتيهم بغتة وهم في غفلة يتخاصمون في معايشهم وأمورهم فلا يدرون، حتى تهجم الصيحة عليهم وهو في غفلة مغترون: {فَلا يَستَطيعونَ تَوصِيَةً وَلا إِلى أَهلِهِم يَرجِعونَ}. والتوصية هاهنا: الوصية، عندما يعاينون من التلف