مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

(ومن سورة حم عسق)

صفحة 486 - الجزء 1

  ثم أخبر جل ثناؤه عما يريهم يومئذ من آياته العظام، باستشهاد أعضائهم عليهم فيما ارتكبوا من المعاصي والخطايا والآثام، وإصمات ألسنتهم من الشهادة والكلام، فقال: {اليَومَ نَختِمُ عَلى أَفواهِهِم وَتُكَلِّمُنا أَيديهِم وَتَشهَدُ أَرجُلُهُم بِما كانوا يَكسِبونَ}. ليروا من آياته سبحانه وعدله وحكمه، على كل ظالم إن سخط عليه في ظلمه، آية عظيمة من آياته، إذ شهدت جوارح الخاطئ منهم عليه بخطائه، فأراهم آية بينة من الآيات لا شك فيها، واستشهد من أعضاء أبدانهم شهوداً عليهم تُعلمهم لا تهمة عندهم عليها، ولا ينكر مَن عرف قدرة الله وفضلها، إذ هو الذي أنطق اللسان أن ينطق ما شاء من الأعضاء كلها، لأن اللسان إنما هو عضو من البدن، لو لا أنه أنطقه لم ينطق ولم يُبِن.

  وقد يمكن - والله أعلم - أن تكون شهادة الأعضاء عليهم، توقيفهم على كل خطيئة عملتها جوارحهم، مما مشوا إليه بأرجلهم وبسطوا فيه بأيديهم، فلا ينكرون عند توقيفهم على خطاياهم، ما له من النعم والامتنان عليهم.

  {لِيُنذِرَ مَن كانَ حَيًّا}، يريد تعالى بالحياة: حياة العقل والنفس في قبولها للهدى وتذكرها، لأن من كان لا يتذكر بالقرآن فهو كالميت الذي لا حياة فيه، لا يبصر نور القرآن المضيء كضوء الشمس، لولا تعامي الكافر عما أهدي به إليه، ومعنى قوله: {وَيَحِقَّ القَولُ}. أي: يقع الوعيد ويجب العذاب على الكافرين.