(ومن سورة حم عسق)
  ثم رجعت القصة والخبر إلى مثل ما ذكر الله في أول السورة، ونبه عليه من شكر النعم، فأخبر سبحانه عن تمكينه لهم الأنعام إذ جعلهم لها مالكين، يفعلون فيها ما يشاءون.
  فقال - لا إله إلا هو - منبها ومذكراً: {أَوَلَم يَرَوا أَنّا خَلَقنا لَهُم مِمّا عَمِلَت أَيدينا أَنعامًا فَهُم لَها مالِكونَ}. تفهيما منه سبحانه لعظيم النعمة في الأنعام، والأنعام فهي ما جعل الله تبارك وتعالى وخلق من الآبال، وهي من نعم الله على الناس العظام الكبار، فملَّكهم إياها، وهو الذي ابتدعها وأنشاها.
  والأيدي هنا القدرة، وما لله على صنع ما أراد من القوة، [تقول العرب:] أنا فعلت بك ما فعلت بيدي من الخير، ولعل إحسانه إليه إنما كان بالأمر واللسان، وكيف يتوهم من عقل ما لله من العظمة والجلال، أنما ذكره الله من اليد فيما فعل وخلق إنما هي، يدٌ لا كالأيدي، والله لا شريك له يجل ويعز ويتعالى عن الأعضاء والأوصال؟! وهو يقول في كتابه المحكم المبين، ما يدل في هذا المعنى على إكذاب مَن توهم في اليد تشبيها من المشبهين، إذ يخبر ø كيف يخلق ما أراد خلقه بقدرته، فقال: {إِنَّما قَولُنا لِشَيءٍ إِذا أَرَدناهُ أَن نَقولَ لَهُ كُن فَيَكونُ}[النحل: ٤٠]. فهو سبحانه يخبر أن جميع ما أراد خلقه بلا معاناة، يدخل فيه بتكلف يتكلفه، وإنما يكون ما أراد صنعه بكلمة أسرع الكلام، في المعقول والأفهام، كسرعة لمح الطرف من الأبصار، وهو {كُن}.
  فسبحان من جل وتقدس وعلا عن أن يكون له شبه أو يضرب له مثل به مثلاً، أو يتوهم محتاجا لعظمته إلى أن يزاول بيد أو بنان عملا! جل وتقدس عن الأعضاء الموصلة من اليد والبنان! وعن شبه من لا يعقل ﷻ وعظمته له بالإنسان.