[التوحيد]
  محدودا فلن يكون محدودا إلا وقد أحاط به غيره بحد، فيكون حينئذ بصفة المخلوقين موصوفا، والله تبارك وتعالى غير خلقه وصفا، فهم غير صفته، لأنه سبحانه لا مثيل له ولا نظير، وكذلك قال في كتابه: {لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّميعُ البَصيرُ}[الشورى: ١١]، فلن يكون الشيء محدودا، إذا كان الحآد له ثابتا معه بحد موجودا.
  وتأويل «سميع» مدرك لجميع مختلف الأصوات، بغير ما أدرك به المخلوقون من الآلات، والآذان المخروقة المصورة التي جعلت لدرك إلى الأصوات أدوات.
  «بصير» - تعالى وتقدس - بجميع الأشخاص، مدرك لأقدارها، وهيئاتها وألوانها، وطولها وعرضها، وجميع نواحيها، وظاهرها وباطنها، بغير آلة من حدقة ذات طرف لائحة، لأن حدق العيون إنما تدرك ما كانت محاذية مواجهة، وهذه صفة المخلوقين العجزة، ومما يتعالى الله عنه رب القدرة والعزة.
  وإنما عنى بقوله تبارك وتعالى {سَميعٌ بَصيرٌ}[المجادلة: ١]، الدلالة لخلقه على دركهم، وعلمه لأصواتهم التي إنما يعقلون دركها عندهم بالأسماع، وأنه مدرك عالم بجميع أشخاصهم وهيئاتهم، وصورهم وألوانهم وصفاتهم وحركاتهم، التي إنما يعقلون دركها بالعيون والأبصار، إذ إدراك المخلوقين للأصوات والأشخاص بالأسماع والعيون التي ربما كلَّت وتحيَّرت وأخطأت، وأدركته ظاهرا دون باطن وقصرت، ودرك الله تبارك وتعالى لهذا كله درك واحد محيط بما ظهر وبطن، وبما بعد وقرب، وهو درك علمه الذي لا يفوته من المدركات شيء، قل ولا كثر، ولا دقيق ولا جليل، ولا صغير من ذلك ولا كبير، ولا خفي [ولا] مستبين.