[التوحيد]
  وأنى وكيف يدرك علم صفات الأشياء قبل كونها؟! وجميع ما هي عليه بعد تكوينها، حتى يحيط علمه بظاهرها وباطنها؟! إلا الله وحده الذي رؤيته وسمعه بغير آلة محدودة، من عين ذات طرف لا حظة أو خرق في أذن من الآذان واهية، جل عن هذا وتقدس وعلا من ليس كمثله شيء! ولا يجد أحد له مثيلا، بل دركه لكل مدرك من الأصوات والأشخاص هو علمه، وعلمه فهو صفة من أكرم صفاته، وهو قوته الشريفة العظمى، التي بها ظهر جميع حكمته، وهي القوة والوحدانية المنفردة التي تقع على المختلفات وليست هي بمختلفة، العلم الذي يدرك به المختلف من الأشياء، وبه ظهرت حكمته في السموات العلى، والأرضين السفلى، فلم يزل سبحانه بالقوة التامة عالما قويا، ولم يظهر بتلك القوة الأشياء قديما، فيكون الخلق معه متقدما أزليا، بل كان على خلق ما خلق قبل أن يخلقه قويا، كاملة قوته، عالما كيف يكون خلقه إذا خلق، تاما علمه.
  وكذلك لم يزل الجود له صفة بقوته عليه، ورضاه إياه، وإن كان من يجود عليه غير موجود، وكذلك كان رحيما ولا مرحوم بالقوة التي رحم بها المرحوم إذ خلقه، ورضاه الرحمة، فإنها عنده محمودة من فعله له مدحه، إذ لا يجوز ولا يصح أن يقول: الله سبحانه لم يزل لهذه المخلوقات فاعلا قبل فعلها، ولكن يقال: إن الله كان خالقا بالقوة وجود الرضا بالجود، وأنه سيخلق من يجود عليه بالقوة إذا أراد أن يخلقه.
  وعالم وإن لم يكن معلوم بالقوة التي قد علم بها المعلومات إذا كوَّنها كيف يكون، رحيم لرضاه بالرحمة، وإنها من صفته، وإن لم يكن مرحوم، وحكيم بقوته التامة التي هو قادر بها على الحكمة والمحكمات قبل خلقه لها