صوت اليمن والإسلام
  وكم هي عجيبة بعض الصدف التأريخية التي يرتّبها القدر، وكأنّه يوقّعها لحناً سماوياً نغماته تسبي العقول، وتهزّ المشاعر، فقد قدّر أن تموت الملكة أروى بنت أحمد بن الصليحية في مدينتها «ذي جبلة» سنة ٥٣٢ هـ وهي تناهز الثامنة والثمانين، وانتهى بموتها ملك آل الصليحي، كما أن الداعي سبأ ابن أبي السعود صاحب (عدن) مات في نفس العام، وتمزّقت أصقاع اليمن شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً شذر مذر، وقدّر لهذا الشاب التقي الشاعر حفيد الأئمة والشعراء، أحمد بن سليمان أن يصغي إلى صوت الواجب في ضميره ووجدانه، وأن يستجيب لدعوة الحجّة التي تلهج بها ألسنة علماء الزيدية وفقهائها، وفي مقدمتهم العلامة القاضي نشوان بن سعيد الحميري، فأعلن الدعوة لنفسه، وقد عاش بعد إعلانها، ومبايعة أهل الحق والعقد له إماماً، أربعة وثلاثين عاماً، كلها جهاد وصراع وكفاح، وعرق ودموع، وشعر وتأليف، ومناظرات ومحاورات، وصداقات وخصومات، وأخيراً أَسر وسجن، ثم عزْلة وعَمَى! لم يختزن مالاً، ولا بنى قصراً، ولم يخلف غير كتبه وأشعاره(١).
صوت اليمن والإسلام
  لقد كان صوت أحمد بن سليمان يمثل بحق (صوت اليمن) العربي المسلم بين ضجيج الشظايا (آل نجاح) وحشرجات المماليك والعبيد، تحاصرهم وتطاردهم صرخات (ابن مهدي) الجبار الغشوم في (زبيد)
(١) تأريخ اليمن الفكري ١/ ٤٥٩.