مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[العدل]

صفحة 14 - الجزء 1

  لقد أساء على الله من قال بهذا القول العمي الغوي المتناقض، ونسبوا إلى الله سبحانه خلاف ما تعرّف به إلى خلقه من الأسماء الحسنى، إذ زعموا أنه نهى عن المنكرات، والفواحش من السيئات، التي منها الشرك به والافتراء عليه، والتكذيب لرسله، وقتل النفس التي حرم الله سبحانه، من أنبيائه والمؤمنين من عباده، والربا والسرقة، وعبادة الأصنام، وكل فسق وفاحشة، وهم يقرون بألسنتهم أن الله جل ثناؤه لم يشأ شيئا من هذه الكبائر ولم يرضها، ثم ينقضون قولهم فيزعمون أن الله ø قدر هذه الفواحش على مَن فعلها وقضاها، وأنه شاءها بعد نهيه عنها وارتضاها، جل الله وتقدس وعز وعلا، عما قالوا به من هذا الكذب والافتراء، فهذا الأصل من إثبات عدل الله ø ونفي الجور عنه، ما يلزم كل مَن عرف الله سبحانه إثباته والمعرفة به لا بد له منه.

  وكان أبي رحمة الله عليه يقول: إن كل كبيرة وعد الله سبحانه العقاب عبده فيها، فإن عقاب الله له بها ثابت أبدا عليه، وإن من دخل النار غير خارج منها وإنه مخلد فيها، غير غائب عنها، لقول الله ø في كتابه، وخبره عن ثبات العصاة الكفرة في عقابه عليهم: {خالِدينَ فيها أَبَدًا}⁣[النساء: ٥٧]، وقال: {وَما هُم مِنها بِمُخرَجينَ}⁣[الحجر: ٤٨]، {وَما هُم عَنها بِغائِبينَ}⁣[الانفطار: ١٦]، وقال: {إِنَّ المُجرِمينَ في عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدونَ ٧٤ لا يُفَتَّرُ عَنهُم وَهُم فيهِ مُبلِسونَ ٧٥}⁣[الزخرف: ٧٤ - ٧٥].

  وفي وعيد الله سبحانه هذا لهم ما يدل على تخليد الله لهم في العذاب، وأنه لا يزول عنهم ما صاروا إليه من العقاب، فنستجير بالله من عقابه، ونعوذ