مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب الإيمان

صفحة 188 - الجزء 1

  لهم سلطانا فقهروا به عباده، فيا ويلهم غدا لو عاينوا الجزاء، لكل ساع ما سعى».

  فلما عبده أهل المعرفة على درجة المراقبة، وعلموا كيد عدوهم، وعرفوا ما امتحنوا به منه، وأنه غير غافل عنهم، ولا تارك لدعائهم من كل وجه طمع فيه من قبلهم، كان حذرهم ومراقبتهم على قدر علمهم وشدة إعظامهم لخالقهم، ما ورثهم ذلك الحياء منه عند خطرات القلوب، فصاروا لذلك أوفر الخلق عنده نصيبا، وأخشعه في العمل لله قلوبا، والدؤب في طاعته، وذلك أنهم إذا ذكروا نظره إليهم، وعلمه بخفياتهم إذ كانوا في طاعته، إزدادوا خشعا، وبالخلق تهاونا، وعن تضييع أمره تباعدا، ولم تأخذهم في الله لومة لائم، في أنفسهم ولا في أموالهم، وقاموا لله بواجب حقه عليهم ولهم، بما يستحقه خالقهم من المحبة لما أحب، والعمل به والدعاء إليه، والسخط لما سخطه وتركه، والنهي عنه وإن سخط الخلق منهم ذلك لم يؤثروا إلا رضا الله على رضا مَن سواه.

  وكذلك قال لقمان لابنه: «يا بني إنك لن تنال ولاية الله إلا بعداوة كثير من الناس، ولن تنال رضا الله إلا بسخط كثير من الناس، وذلك كله قليل فيما تطلبه من الله».