مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[المشبهة]

صفحة 19 - الجزء 1

[المشبهة]

  ولقد ضل قوم ممن ينتحل الإسلام من المشبهة الملحدين، الذين شبهوا الله سبحانه بالمخلوقين، وزعموا - لعنهم الله - أنه على صورة الإنسان، وأنه تعالى جسم له يدان ورجلان وعينان، وبدن ذو حدود وأركان، جل وتعالى وتقدس عن أن يشبه شيئا من عبيده وخلق لا ملكا ولا بشرا ولا جانا، واعتلوا بآية من متشابهات القرآن، لا يغلط في تأويلها أهل المعرفة بالله والإيمان، وجعلوا حججهم في جهلهم وكفرهم أحاديث افتعلها الضلال من أعداء الإسلام، وبأحاديث لم يعرفوا كيف مخرج تأويلها، فضلوا وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل.

[الرؤية]

  فكان مما جهلوا تأويله ونسبوا فيه إلى الله سبحانه ما لا يشبهه قوله ø: {وُجوهٌ يَومَئِذٍ ناضِرَةٌ ٢٢ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ٢٣}⁣[القيامة: ٢٢ - ٢٣]، فتأولوا نظر الوجوه إلى الله تعالى أنها لله جل وتقدس معاينة، وقد ذكر الله سبحانه في غير هذا الموضع من القرآن ما يدل على خلاف ما تأولوا، وما بيَّن به كذبهم على الله سبحانه وجهلهم إذ جهلوا، أن يقول سبحانه مخبرا عن أنه لا يعاين في الآخرة ولا في الدنيا: {لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ وَهُوَ يُدرِكُ الأَبصارَ وَهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ}⁣[الأنعام: ١٠٣]. فأخطأ في قول الله ø: {إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ٢٣}⁣[القيامة: ٢٣] الجهلة العماة الكفار، وإنما أراد سبحانه بالوجوه الناضرة: الوجوه النضيرة البهية المشرقة، وأراد تبارك وتعالى بقوله: {إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} أي: وجوه المؤمنين ناضرة منتظرة لثواب الله ø