مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب شرح اليقين

صفحة 204 - الجزء 1

  وذكر عن ابن أبي طالب # أنه ذكر الجنة والنار فوصفهما ثم قال: «نعم من حال بينه وبين هذا الثواب والخوف من العقاب تعبد المرء لمن رجا الدنيا في يديه، فيستحرى في الأمور سرته، ويسرع إلى محبته، ويتعب بدنه لمرضاته، ويدنس عرضه، ويجرح دينه، ويضع شرفه حتى تذهب مروءته، وحتى يحول هذا العبد بينه وبين ما يوقعه في عقابه، وهو يدعي بزعمه أنه يرجو الله فيما أتاه، لا يسيء من دعواه، في عمله وفعله، يرجو الله في الكبير ويرجو العباد في الصغير، ويعطي العبد ما لا يعطي الرب، وكل من رجا عرف عمله في رجائه، فما بال الله يقصر به عما يعمل لعبده.

  إني أخاف أن يكون في رجائك كاذبا، أو يكون رجاؤك مخالفا مدخولا، وكذلك إن خاف عبد من عبيده أعطاه في خوفه منه ما لا يعطي الله وهو في كل خوف خوف الله ورجايه وكذلك من عظمت الدنيا ف يصدره وكثر موقعها عنده أثرها على الله، ولقد كان في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ما يدل على خراب الدنيا وعيبها، إذ عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها، علم أن الله ø بغض شيئا فأبغضه، وحظر شيئا فحظره، وصغَّر شيئا فصغره، فلو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبعض، وتعظيمنا لما صغَّر لكفانا، ولقد أمر عائشة بإخراج شيء وقال: إذا رأيته ذكرت الدنيا»، محبة منها ألا تتخذ منها رياشا، فأمالها من القلب، وأخرجها من النفس.