باب شرح اليقين
  وكذلك من أبغض شيئا أبغض أن ينظر أو ينكر عنده، فوفق الله عبدا تأسى بنبيه #، وكذلك بأنبياء الله $، كموسى بن عمران # حين قال: {رَبِّ إِنّي لِما أَنزَلتَ إِلَيَّ مِن خَيرٍ فَقيرٌ}[القصص: ٢٤]، وكعيسى # في زهده ورغبته في ثواب ربه، والعمل لما عنده، والرفض للدنيا وأهلها، وإيثاره على من سواه، متوكلا موقنا، صابرا محتبسا، فأعلى درجات المقربين عند الله وأشرفها وأسناها ما مَّنَّ به عليهم، ممن تأييداته التي هي ثواب لأعمالهم معجلا من فضل ربهم، التي يزدادوا بها يقينا إلى يقينهم، كما قال أبو بكر: خطبنا رسول الله ÷ عام أول فقال: «عليكم بالصدق فإنه مع البر وهو يهدي إلى الجنة، وإياكم والكذب فإنه مع الفجور وهو يهدي إلى النار، واسألوا الله اليقين والمعافاة فإنه لم يعط عبد مع اليقين أفضل من المعافاة».
  فبدأ باليقين لأنه لا شيء أفضل من اليقين، وهذا منه # حض على الطاعة التي يستوجب العبد فيها من الزيادة، ويزداد يقينا بذلك، كما قال الله ø: {وَالَّذينَ اهتَدَوا زادَهُم هُدًى وَآتاهُم تَقواهُم}[محمد: ١٧]، وقال ø: {وَمَن يُؤمِن بِاللَّهِ يَهدِ قَلبَهُ}[التغابن: ١١]، وإنما حض # على ذلك لأن معرفة الله واليقين به أخلص العمل له، وباليقين يحسن نظره لعباده، وأنه لا يفعل بهم إلا ما فيه صلاحهم، رضوا عن الله في كل فعله، وباليقين رفع الله قدر أصفيائه من أنبيائه، والصالحين من عباده.
  وقال ابن عباس: عن النبي ÷ أنه قال له: «إن استطعت أن تعمل لله باليقين في الرضا فافعل، وإلا ففي الصبر على ما تكره خير كثير»،