مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب شرح اليقين

صفحة 210 - الجزء 1

  علم أنهم مؤدون، وأنهم لو كانوا على الله كاذبين لظهر منهم التفاوت والاختلاف في أمورهم، بخذلان الله لهم، لأنه من صفة الله أن يخلي بين الكاذبين وبين الأمور التي لا تكون إلا من صفة الصادقين، لأن الحكيم في حكمته أن يجعل بين الحق والباطل فصلا، وبين منزلة الصادقين والكاذبين عليه فرقا، وكذلك صفة المؤمن من العاملين المخلصين، سيماهم مباين سيماء المموهين.

  وإنها تصح تبصرة الفطنة والتوسم لأهله من طريق حسن الظن لا من طريق الحكم بالتوسم والإزكان، لأنه أطلق للمؤمن أن يحسن الظن بأخيه ويتوسم فيه الخير، ولا يحكم له بذلك حكما لأنه لا يجوز الأحكام بما يتوهم القلب أو يزكي. وإنما الأحكام بالإقرار والشهادات، فهذا هو موقع الحكم بالتوسم والفطنة، لا يجوز غير ذلك، وأن كان الأغلب سوء الظن لأن القطع بسوء الظن منهي عنه، قال الله جل ثناؤه: {إِنَّ بَعضَ الظَّنِّ إِثمٌ}⁣[الحجرات: ١٢]، وروي عن زيد بن ثابت أن عمر بن الخطاب «ألفى رجلا يكلم امرأة في خلافته فعلاه بالدرة، فقال: يا أمير المؤمنين هي مَحْرَمُ، فأتى عمر بن الخطاب زيد بن ثابت فأخبره بالذي صنع، فقال: هل سمعت النبي ÷ يذكر في ذلك شيئا؟ فقال زيد: نعم، سمعت النبي ÷ يقول: {وَالَّذينَ يُؤذونَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ بِغَيرِ مَا اكتَسَبوا فَقَدِ احتَمَلوا بُهتانًا وَإِثمًا مُبينًا}⁣[الأحزاب: ٥٨]. فقال عمر: أنت سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول هذا؟ قال: نعم، فأعاد عليه القول فقال له زيد: سمعتها أذناي، ووعاها قلبي، وكتبتها يدي من النبي ÷.