مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب العدل

صفحة 234 - الجزء 1

  فتعلم من غرائب العلم، فرأس العلم معرفة الله»، وهي خشيته لأن من خشي الله عرف الله خشيى على قدر معرفته، وهو العلم النافع، وهو أول علم الباطن، لأن الله جل ذكره ليس مما يُخيَّل وإنما يُعلم بالأدلة والنظر فيما ذرأ من خلقه، وبث من آياته، وذلك كله علم ويقين بباطن وغيب، يقوم عند أهل اليقين مقام المعاينة، بما قد سخوا فيه من العلم بما دلت عليه الحجة القاهرة، والأعلام الظاهرة.

  ثم المنزلة الثانية من علم الباطن: العلم الباطن لذات باطنه، فمن كان من أهل الباطن وحصلت له هذه المنزلة كان عمله عمل السر، لأن أهل السر لا يعبدون بعمل ظاهر، لعلمهم بما يدخل فيه من الآفات المفسدة له، والمصرفة له عن جهة الإعلان به، فإن كان فرضىً، ولهم أيضا في ذلك من تضاعف الأعمال كما روي الفضل، وذلك أن «أعمال السر تضاعف على عمال العلانية بسبعين ضعفا»، كما جاء في الخبر، وقال الله جل ثناؤه وقال الله جل ثناؤه: {وَمَثَلُ الَّذينَ يُنفِقونَ أَموالَهُمُ ابتِغاءَ مَرضاتِ اللَّهِ وَتَثبيتًا مِن أَنفُسِهِم}⁣[البقرة: ٢٦٥]، فهذا التثبيت هو إسرار العمل وإرادة الله به مخلصا. وقال سبحانه وتعالى: {إِن تُبدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَإِن تُخفوها وَتُؤتوهَا الفُقَراءَ فَهُوَ خَيرٌ لَكُم}⁣[البقرة: ٢٧١]، فأخبر جل ثناؤه أن إخفاء العمل خير لهم، لعلمه بما في إظهاره عليهم من الفتنة والفساد، وما