مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب العدل

صفحة 245 - الجزء 1

  فهذا مثل ما حكم به داود #، وكان هذا الحكم من طريق زهرة العلم، وهو التفهم عن الله لأهل شريعة الحكم والتأييد لهم، الذين آتاهم الله الحكمة كما قال سبحانه: {وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أوتِيَ خَيرًا كَثيرًا}⁣[البقرة: ٢٦٩]، فهذا الخير الكثير من الله لأهل زهرة العلم، والدليل على أن شرائع الحكم وإصابة حدودها من مواهب الله تعالى وتبيينه، على الحجة فيها وتوقيفه لذلك: {فَابعَثوا حَكَمًا مِن أَهلِهِ وَحَكَمًا مِن أَهلِها إِن يُريدا إِصلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَينَهُما}⁣[النساء: ٣٥]، فمن قصد إلى الله بحكمه، وطلب الوسيلة إليه، بصَّره وهداه لرشده، ونبهه على دلائله، وهداه للتي هي أقوم من أمره، لأنه قال: {وَالَّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحسِنينَ}⁣[العنكبوت: ٦٩]، يقول تعالى - وعز عن معاني المخلوقين -: من جاهد عدوه ونفسه في أن لا يقول على الله إلا الحق، ويتحرى مجنني في أموري، هديته لرشده، وقيضت له التوفيق في أمره، وهو مثل ما قال زيد بن ثابت حين «سؤل عن شيء لم يقع؟ فقال: قد وقع ذلك؟ قالوا: لا، إلا أنا نريد أن نعلم الشيء قبل أن يقع، فإذا وقع قلنا بذلك فيه. فقال زيد: إن الله إذا علم الصدق من قلوبكم وفقكم لسداد الحق حتى تقولوا فيه بالصواب».

  وقال جابر بن عبد الله: «لما نزل بنو قريظة على حكم سعد بن معاذ بعث النبي صلى الله عليه وآله إليه فجيء به من المدينة، فكأني أنظر إليه على أتان تحته قطيفة حمراء والناس يكلمونه، ويقولون: يا سعد رضي القوم بك