مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب الجهاد

صفحة 259 - الجزء 1

  ثم إذا علم أنه قد سلف له ذنوب قدرهن بإغفاله، ووجب بحكم الله الوعيد عليه بها، وقد راجع عنها ولا عِلْمَ له هل ناصح في المراجعة أم لا؟ فإن كان ناصحا في المراجعة فلا عِلْمَ له هل ما أتى من العمل على جهة ما يتقبل مثله أم لا؟ وإن كان قد أتى به على حد ما أمر فلا علم له أيضا لعله أن يأتي بما يحبطه. فإذا كان العالم بالله وبأحكامه على حد ما وصفنا ما باله بالعجب بما كان منه من البر، وهو لا يحيط في أي من المنازل مما وصفنا هو، وهل رأى حكيما يعجب من أمر من أمور الدنيا يريد به ابتياع شيء لا يعلم أنه لا يقبل مثله في ثمن ما يتبايعه أو لا؟ دون أن يقف على علم ذلك ويتحققه؟! فمن أنزل نفسه بالمنازل التي شرحنا، وفهم أمره على حد ما وصفنا، لم يعجب بشيء مما يكون من طاعته، ومتى خلص من العجب بها خلص من الرياء بها، لأن من لم يكن منه عند نفسه من يعجب أهل الفَهِم عن الله بمثله لم يراءهم به، لأن حكيما لو رأى أمررا من الأمور يحضره حكماء هو يعلم أنهم لا يعجبون بمثله، ويعلم أيضا أنهم يحكمون على من أعجب به من النقص والعيب، لم يكن شيء أكره عنده من اطلاعهم على ذلك من أمره، وإذا نجا العبد من العجب والرياء، نجا من الكبر، لأن الكبر إنما هو نتاج وَرِثَه من العجب والرياء، وذلك أن العبد إذا توهم أنه قد أتى أمرا يعجب بمثله، أنه قد بان بفضيلة على غيره، فيدخله التكبر على من توهم عليه أن قد علاه وباينه في منزلته، فإذا كبح نفسه ووقفها، وفهم ما كان منها وحاسبها، لم يجد للعجب والكبر والرياء مشاغا، ولا وجها بوجه من الوجوه، ومع ذلك إنه لو علم أن عمله مقبول، وأنه قد أتى جدود ما أُوجب عليه وبعاقبة ما يختم له، وعلم بنجاته، ثم خطر من وجه النظر لعلم واستيقن أنه لا مساغ ولا وجه للعجب والرياء والتكبر من أحد من الحكماء. وذلك أنه لو كان للعجب وجه لما كان الإيمان يعجب لما أوصله إلى ذلك وتفضل به عليه، مما لا يصل نفع ذلك إليه، وإن كان أعلى المنازل في ذلك ترك المدح والتكبر