باب الفرق بين العقل والهوى
  الناس له عليها، ولا يخطر بباله ذلك إلا من جهة طاعتهم لله لمدحهم بها، إذ كان الله قد أوجب عليهم أن يمدحوه ويزكوه بها، ولا بسوء ذمهم له بها، ولا بسوء ظنهم به فيها، إلا من جهة معصيتهم الله فيه، إذ كان الله قد زجرهم عنه، فيكون حينئذ إنما سروره بطاعة الله في كل أحواله، وغضبه لله في كل أحواله، ولا يكون لنفسه في ذلك شيء، إذ كان الذي يجب عليه مقيما لسوء ما يعلم منها. وكذلك إذا كان في معصيته يجب عليه البغض لنفسه فيها، والمحبة لكل من أبغضه من أجلها، والبغضاء لكل من أحبه فيها، والانقلاع عنها، والسخط على كل من لا يزجره عنها، وينبهه على قبيح ما كان منه في تقحمها، بعيدا كان أو قريبا.
  فإذا كان العبد كذلك كان لله في كل أمره خالصا، إذ كان الله قد أوجب عليه أن يكون في كل الأمور له مؤثرا، ولطاعته واتباع محبته راضيا ما رضيه، وساخطا لما سخطه، وأن لا تأخذه فيه لومة لائم في طاعته ومعصيته، وعلى جميع ما كان من أحواله. فإذا استعمل العبد ذلك وقام لله به، خلص له عمله بتوفيق الله وعونه، وهذا هو أعلا الجهادين وأشرفهما، والذي لا يقبل الله عملا مع تضييعه، ولا يوصل إلى مرضاته إلا برعايته وحفظه، والاستقامة على ذلك حتى يأتيه اليقين.
  والجهاد الأصغر هو الذي قال أمير المؤمنين #: «الجهاد على أربع شعب: على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين». وسنذكر ذلك إن شاء الله ولا قوة إلا بالله، وإياه نسأل العصمة والتوفيق، والبلاغ إلى أفضل طاعته ومحبته، بمنه وقدرته وفضله، إنه ولي ذلك والقادر عليه.