مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب الصدق في المواطن

صفحة 300 - الجزء 1

  الإيمان، وإن أراد المعصية فهو شريك العاصين، فقد فسرنا آيات النهي عن المنكر من جميع الوجوه، فذلك معنى قول علي بن أبي طالب ¥: «ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق» لأن المنكر من أعمال المنافقين، قال الله جل ثناؤه: {المُنافِقونَ وَالمُنافِقاتُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ يَأمُرونَ بِالمُنكَرِ وَيَنهَونَ عَنِ المَعروفِ وَيَقبِضونَ أَيدِيَهُم نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُم}⁣[التوبة: ٦٧]، يقول: تركوا أمر الله فتركهمن فمن غضب للمنكَر وأهله فهو من حزب الشيطان. وقد قال الله ø: {أُولئِكَ حِزبُ الشَّيطانِ أَلا إِنَّ حِزبَ الشَّيطانِ هُمُ الخاسِرونَ}⁣[المجادلة: ١٩].

باب الصدق في المواطن

  وهو الشعبة الثالثة من الجهاد.

  قال علي بن أبي طالب ¥: «ومن صدق في المواطن قضى ما عليه»، وذلك أن الصدق في المواطن هو القيام لله بالحق في كل موطن من المواطن التي افترضها على المؤمنين، أن يؤثروا الصدق على الكذب، وخوف الله على خوف المخلوقين، وذلك أن العبد إذا لزمه الكلام فيما يتكلم به، فرض عليه أن يصدق ويحرم عليه الكذب، ويخرج الصدق في المواطن مخرج الحق إذا لزمك الكلام أن تقول بالحق حيث كنت، وتؤثر الصدق على الكذب، ولا تخافن في الله لومة لائم. فهذه درجة القيام لله بقسطه في شدة المحن، فمن قام لله بذلك أورثه درجة الرهبة، والتعظيم له والإجلال لمقامه والحياء، وذلك أن أهل الرغبة والتعظيم له نظروا إلى عظمة الله بباطن قلوبهم، وإلى أمره لهم بالقيام له، وأنه يملك من ضرهم ونفعهم ما لا يملكه غيره، وأنه القادر على صرف الأسواء عنهم، والحائل بينهم وبين شر عدوهم، فيسهل عليهم أمر المخلوقين عند ذلك، وعلموا أنه جل ذكره إن خلا بينهم وبين أعدائهم فإنما