باب الفرق بين العقل والهوى
  نَعيمٍ ١٣ وَإِنَّ الفُجّارَ لَفي جَحيمٍ ١٤ ...}[الانفطار: ١٣ - ١٤] الآية، ثم قال جل ذكره تأكيدا للبيان في وعيد أهل الصلاة من أهل الذنب والآثام، والمتعدين لحدود الله: {إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السّوءَ بِجَهالَةٍ ...}[النساء: ١٧] الآية، فأخبر أن مِن حكمه أن لا يعفو إلا من بعد توبة، ثم قال مؤكدا ومحذرا وزاجرا ومنبها، وواعظا ومخوفا، وراحما وناظرا: {وَلَيسَتِ التَّوبَةُ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السَّيِّئَاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قالَ إِنّي تُبتُ الآنَ وَلَا الَّذينَ يَموتونَ وَهُم كُفّارٌ ...}[النساء: ١٨] الآية، فأخبر تعالى وعز أنه لا يقبل التوبة عند الموت من الكافرين، ولا من الفاسقين من أهل الصلاة، فأزاح الشك في أمرهم، أنه لا يجوز أن يغفر لهم بعد الموت بلا توبة تكون منهم، لأنه لو كان ذلك مما يحوز في وصفه وحكمه، لقبل منهم التوبة عند الموت، التي بقبولها يكون الغفران، فلما ردها عند المعاينة ولم يقبلها، قطع عذر عباده الفَهِمين عنه، وحذَّرهم بعقابه تحذيرا ألا يؤخروا التوبة إلى وقت لا ينفعهم قبولها فيه، كما لم ينفع ذلك غيرهم من الكافرين، ولو لا ما أحب من إعلامه مع قطع عذرهم، والرحمة لهم، ما قرن رد توبتهم برد توبة الكافرين، وإنما أراد بذلك تعالى وعز إزاحة الشك عنهم، لأنه لو جاز الشك في ذلك وقد قرنه برد توبة الكافر لجاز الشك في وعد الكافرين. وإن كان لم يقبل توبتهم عند الموت ثم أكد ذلك بقوله تعالى: {يَومَئِذٍ يَصدُرُ النّاسُ أَشتاتًا لِيُرَوا أَعمالَهُم ٦ ...}[الزلزلة: ٦] إلى آخر السورة. وقال تعالى: {مَن يَعمَل سوءًا يُجزَ بِهِ}[النساء: ١٢٣]، وأكد للقاتل الخلد في النار، ثم أكد ذلك وبينه بقوله: {وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ وَلا يَقتُلونَ