مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب الفرق بين العقل والهوى

صفحة 317 - الجزء 1

  بالقسط في خلقه، إذا رأى باغيا أن يمنعه من بغيه، فإن حاربه على ذلك حاربه تقربا إلى الله بجهاده، حتى يفيء إلى أمر ربه، كما وجب عليه محاربة أعدائه من الكافرين، حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. وكيف لا يحب ذلك مع قوله ø: {إِنَّما جَزاءُ الَّذينَ يُحارِبونَ اللَّهَ وَرَسولَهُ ...}⁣[المائدة: ٣٣] الآية، ولا محاربة لله أشد بعد الكفر، ولا أعظم عند الله ممن حَرَبَ أولياءه، وأهل طاعته، وأئمته المتولين لأحكامه، وإقامة حدوده، والمقسطين بين عباده، الحاكمين فيهم بقوله، وحكم كتابه، وسنة رسوله، ÷ ليبدلوا ذلك كله، ويحكموا فيه بخلاف ما أنزل الله وحكم به، فحرب هؤلاء أولى وأوجب من محاربة الكافرين، لأن مخالفة أئمة الهدى يفسد على الأمة أمر دينهم، ويبطل بذلك جهادهم لأهل الكفر من أعدائهم، إذا كان الله سبحانه إنما أوجب ذلك مع الهداة من أئمته القائمين فيه بحكمه، والداعين فيه إلى دينه، والعاقدين فيه لذمة نبيه صلى لله عليه [وآله وسلم]، الموفون بعهدهم وذمتهم، لا مَن نَقَضَ عهد الله في نفسه وأهل دعوته وأحكام ربه.

  وكيف يعقد الذمة لمن جعلها [حربا لله ولدينه، ويسعى في الأرض فسادا]، بل لا يراقب في المؤمنين إلا ولا ذمة، وإذا كان أهل دار الحرب إنما أباح الله قتالهم بعد امتناعهم على من لم يف لهم بذمة الله وذمة رسوله ÷، وحرام على أهل الإيمان معاونة من يحاربهم، لأن كل ما أخذ منهم وفعل بهم ظلما أو تعديا لحكم الله، وبما حده في قتالهم،