مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[حب الله شكر لنعمه]

صفحة 350 - الجزء 1

  والنخل فمنه: الرُّطَب والتمر الذي يأكلون.

  {وَحَدائِقَ غُلبًا}، فالحدائق هي: الأرضون التي تضم الأشجار كلها، التي جعل الله لبني آدم منافعها.

  والغُلْب من الحدائق فهي: الملتفة العامرة القوية، التي قد استغلبت واغلولبت، فهي غلبٌ قد تمت والتفت وكملت.

  والأبْ فهو: الأصول التي جعلها الله للبهائم والمواشي نابتة عند المطر وبعده، وفي أوقات الجدب من الأشجار النابتة، والأصول القوية الثابتة، التي بها قوام دوابهم وبهائمهم، التي خولهم الله إياها، وجعلها قوام معايشهم.

  فمَن أولى يا بني أن يشكر أبدا؟! ويطاع في كل ما به أمر، ممن أنشأنا وأنشأكم، وخلقنا وخلقكم، فصوَّر وعدَّل وركَّب الأبدان، فسوَّى وقدَّر، وأحكم كلما خلق غاية الإحكام بحكمته في جميع ما بطن وظهر.

  فهو سبحانه أولى وأحق بنا من الآباء والأمهات، لأنه الصانع لنا، المصوِّر المنعم علينا بجميع النعم الظاهرات علينا والخفيات.

  وأين وإلى أين المعْدَلُ عن إعظامه وإجلاله وشكره؟! فيا ويل لمن غفل عن اتباع ما أمر، والانتهاء عما نهى، فنهانا عما لا يرضيه، وأمرنا بأداء ما يرضيه، فلهى ساهيا عما يحق ويجب من تسبيحه، وخشيته وذكره.

  فعليكم يا بني أبدا ما بقيتم، وما بَلَغْته قوتكم وما استطعتم، باستشعار حبه، والكلف بذكره في باطن ضمائركم، وخوفه ورهبته في علانيتكم، وخفي سرائركم، وأن يكون حياؤكم منه أكثر من حيائكم من أمهاتكم وآبائكم، ومحبتكم له أعظم أضعافا لا يؤتي على عددها من محبتكم لأولادكم وأحبابكم.

  فمن ذا وأين ذا الذي هو أولى بكم، ومن جميع الخلق بالتقوى والطاعة والمودة والحب، من الله الإله البر الرؤوف الرب الكريم، الذي تحتمل منا لا يحتمله آباؤنا البررة، ويحلم عنا مع وجوب عظيم حقه علينا، فيما نفرط فيه من