مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[الصفات الحميدة لأهل البوادي]

صفحة 389 - الجزء 1

  ولم يزل عقاب الله يا بني فيما مضى، إنما يقع بالأمم في المدن والقرى، وكذلك وعيد الله فإنما هو لهم، قال الله لا شريك له: {أَوَأَمِنَ أَهلُ القُرى أَن يَأتِيَهُم بَأسُنا ضُحًى وَهُم يَلعَبونَ ٩٨ أَفَأَمِنوا مَكرَ اللَّهِ فَلا يَأمَنُ مَكرَ اللَّهِ إِلَّا القَومُ الخاسِرونَ ٩٩}⁣[الأعراف: ٩٨ - ٩٩]، وقال تبارك وتعالى في موضع آخر وهو يذكر عذابه لأهل القرى: {وَكَم مِن قَريَةٍ أَهلَكناها فَجاءَها بَأسُنا بَياتًا أَو هُم قائِلونَ}⁣[الأعراف: ٤]، فقال ø في موضع رابع من كتابه: {وَكَم قَصَمنا مِن قَريَةٍ كانَت ظالِمَةً وَأَنشَأنا بَعدَها قَومًا آخَرينَ}⁣[الأنبياء: ١١].

  وذكر تعذيب الله لأهل القرى في مواضع كثيرة من القرءان، لما لم يزل عليه أهل القرى من كثرة الفساد فيهم والمنكر والعصيان، ولم يكن أهل القرى يا بني أكثر شرا ولا فسادا، ولا أشد الخلق مخالفة عن الهدى ولا عنادا، منهم في زماننا ودهرنا هذا، مع ما في القرى من فساد اللسان، وظهور العجمة واللكنة عن البيان.

[الصفات الحميدة لأهل البوادي]

  وأهل البادية فلو لم يكن فيهم مع ما يرغب به عاقل لبيب في أن يأوي إليهم إلا لثباتهم في الكلام، وفصاحة ألسنتهم، وما هم عليه أكثر أهل البادية من الاقتصاد على أقل الكفاف في معيشتهم، والزهد في الدنيا الظاهر في لباسهم وآنيتهم، والجود والسخاء بقليل ذات أيديهم، وبذلهم وكرمهم إذا نزل بهم حق ينوبهم، أو آوى إليهم ضيف يأويهم، فالمقل منهم حينئذ في الجود بما في يده كالمكثر، والفقير في الاجتهاد بما يمكن في أداء الحق الذي نزل به وإكرام الضيف الذي حل بفنائه كالمؤسر، يؤثره عند ذلك على نفسه وعياله، ويبذل