مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[هجرة السلف الصالح من المدن والقرى]

صفحة 391 - الجزء 1

  رفق الله على الإنسان من الإناث ذوات الأرحام، ومتناسل الحيوان، يتناسل بالقرى والمدن ولا رعي ولا مكان.

  والماشية يا بني فيها وفي تناسلها ودرها وألبانها، وما يرفق الله به عليكم من أثمان جلوبتها وأسمانها، معايش رائقة، وبُلغٌ ومعونة من الله مباركة نافعة، يكف الله بها وجوهكم عن نجلاء الناس ولؤمائهم، وأهل الدناءت والشح من عوامهم، فإن لم يكن لكم مع الماشية في البادية شيء من البيار والمزارع، استغنى كل واحد إن شاء الله منكم وارتفق وانتفع.

[هجرة السلف الصالح من المدن والقرى]

  ولم يزل يا بني مَن مضى من الأسلاف من قومكم في قديم الزمان، تكون لهم البوادي ويتخذونها ويسكنونها في كل بلدة وبكل مكان، ولم تزل الأشراف قط يتبوئون البادية، ويعتزلون عن القرى والمدن في الصحاري والبرية في كل ناحية.

  فاعتزل في أول الدهر والناس حينئذ ناس في أكبر الشأن والأمر، بنو حسن فَتَبَدَّوا.

  أولهم زيد بن الحسن بن علي $، في بادية من المدينة تسمى: البطحاء على أربعة أميال، فاحتفر بها بيارا وبنا بها مساكن متباعدة بعضها عن بعض ودورا. فلم يزل بها ولده بنو حسن بن زيد حتى فرقتهم منها هذه الفتن التي وقعت بالحجاز، فكانوا بها أصح قوم أبدانا، وأجلدها جَلَدا، وأنظرهم ألوانا.

  واتخذ يا بني عمكم عبدُ الله بن الحسن فيما مضى من الدهر والزمن بادية لنفسه وولده، سويقة وأكنافها وأوديتها وشعاتها، فاحتفر بها بيارا وعينا