مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

(ومن سورة النحل)

صفحة 438 - الجزء 1

  أدخله فيها، وجبره عليها وألزمه إياها، وممن يطلب غفران الذنب؟! وهو يزعم أن الذي يغفره هو الذي أوقعه في الذنب، وألزمه الخطيئة! فكيف يستغفر الله من فعله؟! أو يتوب إليه من قضائه؟! هذا قول محال، والله سبحانه منه بريء وعنه متقدس أن يقضي بالفساد، ولا يقضي بظلم العباد، فإليه نرغب في التوفيق والسداد، إنه ولي كل نعمة، والدافع لكل نازلة، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

  ومما سئل عنه من زعم أن أفعال العباد بقضاء من الله وقدر واستطاعة تحدث عند الفعل، أن يقال له: هل يقدر من كان مثلنا في طولنا وقدرنا أن يمس السماء، أو يأخذ القمر؟

  فإن قالوا: لا يكون ذلك ولا يمكن.

  قيل لهم: فإن رُفع إلى السماء، أو أحدث الله سبباً بقدرته على ذلك؟

  فإذا قالوا: لا يقدر بما ذكرتم من هذه الأشياء.

  قيل لهم: أفليس هذه الأشياء غيره؟

  فلا بد من قول: نعم.

  فيقال لهم: أفيجوز أن يكلف الله الكافر الإيمان؟

  فإن قالوا: نعم، يلحق الإيمان قبل نزولها.

  قيل لهم: فكذلك أيضاً يجب أن يلحق الإنسان السماء من قبل نزول سبب يقدر به على ذلك.

  فإذا قالوا: لا يمكن حتى تحدث استطاعة من الله له في ذلك.

  قيل لهم: أفيجوز أن يكلف الكافر الإيمان، والإيمان لا يكون من الكافرين، حتى يحدث لهم قوة هي غيرهم، كما لا يجوز أن يكلفنا أن نلمس النجوم ونحن لا نقدر على ذلك حتى يكون السبب الذي هو غيرنا، فبينوا لنا ذلك، وافرقوا بين المعنيين، فلن تجدوا إلى غيره سبيلاً إلا الرجوع إلى الحق.