(ومن سورة النحل)
  ومما يسئلون عنه من حكم كتاب الله، أن يقال لهم: خَبِّرونا عن قول الله تباركت أسماؤه، وجل ثناؤه: {يُريدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُم وَيَهدِيَكُم سُنَنَ الَّذينَ مِن قَبلِكُم وَيَتوبَ عَلَيكُم وَاللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ ٢٦ وَاللَّهُ يُريدُ أَن يَتوبَ عَلَيكُم وَيُريدُ الَّذينَ يَتَّبِعونَ الشَّهَواتِ أَن تَميلوا مَيلًا عَظيمًا ٢٧}[النساء: ٢٦ - ٢٧]. أفليس قد أخبر الله ø أنه إنما يريد البيان لهم والتوبة والهدى، وأراد الكافرون الزيغ والردى؟
  فإن قالوا: نعم، رجعوا إلى الحق، وتركوا قول الباطل، وإن قالوا: بل الله أراد الميل وقضى به عليهم، خالفوا الله في قوله، ونسبوا إليه ما لم ينسبه إلى نفسه، وصدَّقوا قول المبطلين، وشكُّوا في قول رب العالمين، فهذا من أقبح مقال، وأحول محال.
  ثم قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ}[النحل: ٩٠]. وزعمت القدرية المجبرة أن الله يقضى بضد العدل والإحسان، ويريد الجور والعصيان، والله سبحانه ينفي ذلك عن نفسه بما بين في كتابه، أفيجوز لمسلم يؤمن بالله أن يُصَدِّق الظالمين في كذبهم، ويترك ما أراد الله ø من إرادته وحكمه وعدله؟! والله أحق بالصدق والعدل منهم، وتعالى عما يقول فيه الظالمون، وينسبه إليه الجائرون.
  ويقال لمن قال إن الله يقضي بخلق أفعال العباد: خَبِّرونا عن قول الله سبحانه: {سَيَقولُ الَّذينَ أَشرَكوا لَو شاءَ اللَّهُ ما أَشرَكنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمنا مِن شَيءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم حَتّى ذاقوا بَأسَنا قُل هَل