مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

(ومن سورة حم عسق)

صفحة 467 - الجزء 1

  عليهم غير رؤوف من كبريائه، وملكه وعزته، الأعظم المحيط بملك جميع الملوك، إذ لا مثل له في ملكه وربوبيته، ولا ند ولا شريك، أرأف مَن رَؤُفَ، وأرحم مَن رَحم، بلغ من رأفته بالإنسان ورحمته له ما لا يبلغه الأب والأم.

  ثم قال سبحانه مخبراً عن أنه بعث نبيه منذراً: {لِتُنذِرَ قَومًا ما أُنذِرَ آباؤُهُم فَهُم غافِلونَ}. ففي قوله: {ما أُنذِرَ آباؤُهُم} تذكير لهم بالمنة التي مَنَّ بها عليهم، من بعثة رسوله # بالنذارة إليهم، فبُعث ÷ فيهم منذراً، وأتاهم وهم في غفلة ساهون عن الآخرة مخبراً، فخصهم من إرساله بما لم يمن على آبائهم بمثله، ثم قال لا إله إلا هو منبئاً عن علمه بكل غيب خبراً صادقا، أنه يملأ جهنم من عصاة الجن والإنس وأن هذا القول والخبر كان على أكثر أهل الجاهلية متحققاً، {لَقَد حَقَّ القَولُ عَلى أَكثَرِهِم فَهُم لا يُؤمِنونَ}. فكذلك كان أهل الجاهلية إذ هم للنبي ÷ مكذبون.

  ثم أخبر عن عقابه سبحانه لهم بكفرهم وتكذيبهم في يوم الدين، ومثَّله لرقابهم بالأغلال التي جعل بعضها على بعض إلى أذقانهم، {فَهُم مُقمَحونَ ٨ وَجَعَلنا مِن بَينِ أَيديهِم سَدًّا وَمِن خَلفِهِم سَدًّا فَأَغشَيناهُم فَهُم لا يُبصِرونَ ٩}. وهذا السد - والله أعلم - الذي من بين أيديهم ومن خلفهم، هو ما يغشى الكفار والمنافقين من الظلام في موقفهم يومئذ حتى يظلم بغشاوته أبصارهم، وهو حين تنكسف الشمس والقمر وتطمس النجوم، فيقع الظلام بزوال الأنوار في ذلك اليوم، وحينئذ ما يحتاج المؤمنون إلى النور، فيجعله الله من بين أيديهم وبأيمانهم ليأنسوا به ويبصروا، ويأمنوا ويطمئنوا ولا يرتاعوا، ويومئذ يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا وهم من بين أيديهم: {انظُرونا}⁣[الحديد: ١٣]، يعنون: انتظرونا. نقتبس من نوركم، وحينئذ يقال لهم