مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

(ومن سورة حم عسق)

صفحة 468 - الجزء 1

  تبكيتا وتوقيفا على حرمان الله إياهم كل ما يطلبون: {ارجِعوا وَراءَكُم فَالتَمِسوا نورًا}⁣[الحديد: ١٣].

  ثم قال سبحانه بعد خبره عن جعل الأغلال في أعناق الكافرين، وملء رقابهم بها إلى الأذقان، حتى هم لرؤوسهم إلى الأذقان مقمحون، والمقمحون فهم الذين للرؤوس، ونبأ سبحانه عن علمه للغيب الذي يحيط بما كان وما يكون، فقال: {وَسَواءٌ عَلَيهِم أَأَنذَرتَهُم أَم لَم تُنذِرهُم لا يُؤمِنونَ}، يعني سبحانه: أن الإنذار بأخبار القيامة وترك الإنذار عندهم سواء، لما هم عليه من التكذيب للرسول والشك والإمتراء.

  ثم أخبر ø على أن النذارة إنما تنفع من تاب وآمن، واتبع التذكير والذكر فأيقن، {وَخَشِيَ الرَّحمنَ بِالغَيبِ فَبَشِّرهُ بِمَغفِرَةٍ وَأَجرٍ كَريمٍ}. والإيمان بالغيب فهو ما أخبر الله عنه مما يأتي به في الآخرة من البعث والنشور، وما أخبر عنه مما لم يكن بعد من غائب الأمور، فقَبِلَ الخبر في ذلك المؤمنون، وأمنوا من عصيانهم تصديقاً لخبر الله عن الغيب فهم لا يعصون، فشكر الله بالغيب إيمانهم، وذكر تصديقهم لما نبأ به من أخبار الغيوب وإيقانهم.

  ثم أخبر تبارك وتعالى عن صدق ما وعد من إحيائه للموتى، وكتابه لما قدموا من أعمالهم وآثارهم في أيام حياتهم التي آثروا، فقال: {إِنّا نَحنُ نُحيِي المَوتى وَنَكتُبُ ما قَدَّموا وَآثارَهُم}. وكتاب ذلك: حفظه وإثباته والله أعلم، وأنه لا ينسى منه صغيراً ولا كبيرا، ولا قليلا ولا كثيرا، فأي كتاب أثبت من حفظ الله، والحفظة الكرام من ملائكته لأعمالهم وآثارهم كلها في