(ومن سورة حم عسق)
  وذكر سبحانه أن الشمس في عظمها، وما هي عليه من عجيب أمرها، في دورها وجريها، إنما تجري لمستقر لها، ومستقرها - والله أعلم - يوم القيامة، ففكر يا هذا وافهم!
  ثم ذكر سبحانه النعمة على خلقه، بالقمر وما قدره له من المنازل إلى وقت محاقه، فذكر تعالى نعمة عظيمة من عظائم نعمه، لما قدره بالقمر من صلاح كثير من معايش الناس وتمامه، إذ بالقمر تُعرف الشهور والأيام، وهو في الليل سراج لجميع الدنيا، فيُبين في الظلمة للناظرين، ويضيء لمن سافر من المسافرين، وبه وبطلوعه وغروبه قدر الله مدد البحار وغزرها، وزاد بزيادته في أول الشهور مياه الأرض فأصلح أشجارها، وأربى بطلوعه خَضِرَها وثمارها، وما فيه من الآيات والعبر، فيكثر عن أن نحيط به علما، وحسبك ما فهَّمك الله منه في كتابه إن كنت فهماً.
  وما ذكر الله من تقديره له منازل، فقد يراه كل ذي عين في كل ليلة مثالاً زائداً، النور في أوله عند نزوله منازله، وهي ثمانية وعشرون منزلة من النجوم، حتى إذا بلغ أربعة عشر منها نقص نوره في كل ليلة عند نزول كل منزلة، ممتحقاً حتى يعود بدقته في العيون دقيقا، كما قال سبحانه: {كَالعُرجونِ القَديمِ}، والعرجون فهو: العود الذي يخرج من قلب النخلة حاملاً في شماريخه لثمره، وهو أعوج مقوس منحنياً، يشبه ما للقمر في آخر الشهر من الانحناء والدقة، وهو إذ كان قديما أدق منظرة.
  ثم ذكر سبحانه أعجوبة أخرى، يدل بها على سرعة سير القمر إذا جرى، فقال: {لَا الشَّمسُ يَنبَغي لَها أَن تُدرِكَ القَمَرَ وَلَا اللَّيلُ سابِقُ النَّهارِ}. والقمر فمن أسرع النجوم كلها جرياً، وهو يقطع الفلك في كل شهر من أوله إلى آخره دوراً، والشمس تجري في الفلك إلى أن تقطعه عاماً، وإن الليل غير سابق النهار، إذ هما جميعاً في الزيادة والنقصان على مثال ومقدار، فقال: